مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ} (191)

{ الذين } في موضع جر نعت ل «أولي » أو نصب بإضمار أعني أو رفع بإضمارهم { يَذْكُرُونَ الله } يصلون { قِيَاماً } قائمين عند القدرة { وَقُعُوداً } قاعدين «وعلى جُنُوبِهِمْ » أي مضطجعين عند العجز وقياماً وقعوداً حالان من ضمير الفاعل في «يذكرون » .

و«وعلى جنوبهم » حال أيضاً ، أو المراد الذكر على كل حال لأن الإنسان لا يخلو عن هذه الأحوال ، وفي الحديث " من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله " { وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السموات والأرض } وما يدل عليه اختراع هذه الأجرام العظام وإبداع صنعتها وما دبر فيها مما تكل الأفهام عن إدراك بعض عجائبه من عظم شأن الصانع وكبرياء سلطانه ، وعن النبي عليه السلام " بينا رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى النجوم وإلى السماء فقال : أشهد أن لك رباً وخالقاً ، اللهم اغفر لي ، فنظر الله إليه فغفر له " وقال عليه السلام " لا عبادة كالتفكر " وقيل ؛ الفكرة تذهب الغفلة وتحدث للقلب الخشية ، وما جليت القلوب بمثل الأحزان ولا استنارت بمثل الفكر . { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا باطلا } أي يقولون ذلك وهو في محل الحال أي يتفكرون قائلين ، والمعنى ما خلقته خلقاً باطلاً بغير حكمة بل خلقته لحكمة عظيمة وهو أن تجعلها مساكن للمكلفين وأدلة لهم على معرفتك ، و«هذا » إشارة إلى الخلق على أن المراد به المخلوق ، أو إلى السماوات والأرض لأنها في معنى المخلوق كأنه قيل : ما خلقت هذا المخلوق العجيب باطلاً { سبحانك } تنزيهاً لك عن الوصف بخلق الباطل وهو اعتراض { فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } الفاء دخلت لمعنى الجزاء تقديره إذا نزهناك فقنا .