الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجۡتَرَحُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَوَآءٗ مَّحۡيَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (21)

{ أَمْ } منقطعة . ومعنى الهمزة فيها إنكار الحسبان . والاجتراح : الاكتساب . ومنه الجوارح وفلان جارحة أهله ، أي : كاسبهم { أَن نَّجْعَلَهُمْ } أي نصيرهم . وهو من جعل المتعدي إلى مفعولين فأوّلهما الضمير ، والثاني : الكاف ، والجملة التي هي { سَوآءً محياهم ومماتهم } بدل من الكاف ؛ لأنَّ الجملة تقع مفعولاً ثانياً ، فكانت في حكم المفرد ؛ ألا تراك لو قلت : أن نجعلهم سواء محياهم ومماتهم كان سديداً ، كما تقول : ظننت زيداً أبوه منطلق . ومن قرأ «سواء » بالنصب : أجرى سواء مجرى مستوياً ، وارتفع محياهم ومماتهم على الفاعلية ، وكان مفرداً غير جملة . ومن قرأ : «ومماتهم » بالنصب ، جعل محياهم ومماتهم : ظرفين ، كمقدم الحاج وخفوق النجم . أي سواء : سواء في محياهم وفي مماتهم . والمعنى : إنكار أن يستوي المسيئون والمحسنون محيا ، وأن يستووا مماتاً ؛ لافتراق أحوالهم أحياء ، حيث عاش هؤلاء على القيام بالطاعات ، وأولئك على ركوب المعاصي . ومماتاً ، حيث مات هؤلاء على البشرى بالرحمة والوصول إلى ثواب الله ورضوانه ، وأولئك على اليأس من رحمة الله والوصول إلى هول ما أعدَّ لهم . وقيل : معناه إنكار أن يستووا في الممات كما استووا في الحياة ، لأنّ المسيئين والمحسنين مستو محياهم في الرزق والصحة ، وإنما يفترقون في الممات ، وقيل : سواء محياهم ومماتهم : كلام مستأنف على معنى : أن محيا المسيئين ومماتهم سواء ، وكذلك محيا المحسنين ومماتهم : كل يموت على حسب ما عاش عليه . وعن تميم الداري رضي الله عنه أنه كان يصلي ذات ليلة عند المقام ، فبلغ هذه الآية ، فجعل يبكي ويردّد إلى الصباح : ساء ما يحكمون . وعن الفضيل : أنه بلغها فجعل يردّدها ويبكي ويقول : يا فضيل ، ليت شعري من أي الفريقين أنت .