الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَلَسَوۡفَ يُعۡطِيكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰٓ} (5)

{ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى } موعد شامل لما أعطاه الله في الدنيا من الفلج والظفر بأعدائه يوم بدر ويوم فتح مكة ، ودخول الناس في الدين أفواجاً ، والغلبة على قريظة والنضير وإجلائهم ، وبثّ عساكره وسراياه في بلاد العرب ، وما فتح على خلفائه الراشدين في أقطار الأرض من المدائن وهدم بأيديهم من ممالك الجبابرة وأنهبهم من كنوز الأكاسرة ، وما قذف في قلوب أهل الشرق والغرب من الرعب وتهيب الإسلام ، وفشوّ الدعوة واستيلاء المسلمين ، ولما ادّخر له من الثواب الذي لا يعلم كنهه إلاّ الله . قال ابن عباس رضي لله عنهما : له في الجنة ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك .

فإن قلت : ما هذه اللام الداخلة على سوف ؟ قلت : هي لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة ، والمبتدأ محذوف . تقديره : ولأنت سوف يعطيك ، كما ذكرنا في : لا أقسم ، أن المعنى : لأنا أقسم ؛ وذلك أنها لا تخلو من أن تكون لام قسم أو ابتداء فلام القسم لا تدخل على المضارع إلاّ مع نون التأكيد ، فبقي أن تكون لام ابتداء ، ولام الابتداء لا تدخل إلاّ على الجملة من المبتدأ والخبر ، فلا بد من تقدير مبتدإ وخبر ، وأن يكون أصله : ولأنت سوف يعطيك .

فإن قلت : ما معنى الجمع بين حرفي التوكيد والتأخير ؟ قلت : معناه أن العطاء كائن لا محالة وإن تأخّر ، لما في التأخير من المصلحة .