اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَسَوۡفَ يُعۡطِيكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰٓ} (5)

وقوله تعالى : { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى } روى عطاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : هو الشفاعة في أمته حتى يرضى ، وهو قول علي والحسن{[60403]} .

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص : «أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تعالى في إبراهيم عليه الصلاة والسلام : { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ إبراهيم : 36 ] ، وهو قول عيسى - عليه الصلاة والسلام - : { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ } [ المائدة : 118 ] ، الآية ، فرفع يديه وقال : «اللَّهُمَّ أمَّتِي أمَّتِي » وبكى ، فقال الله تعالى لجبريل «اذهب إلى محمد ، وربُّك أعلم ، فسلهُ ما يُبْكِيكَ » فأتى جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأخبره ، فقال الله تعالى لجبريل : «اذهب إلى محمد ، فقل له : إن الله يقول لك : إنَّا سَنُرضِيْكَ فِي أمَّتكَ ، ولا نَسُوءَكَ »{[60404]} وقال حرب بن شريح : سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول : إنكم يا معشر أهل العراق تقولون : إنَّ أرْجَى آية في كتاب الله تعالى : { قُلْ يا عبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله } [ الزمر : 53 ] قالوا : إنا نقول ذلك ، قال : ولكنا أهل البيت نقول : إن أرجى آية في كتاب الله : { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى } .

وقيل : يعطيك ربك من الثواب ، وقيل : من النصر ، فترضى ، وقيل : الحوض والشفاعة .

فصل في الكلام على انقطاع الوحي

وجه النظم ، كأنه قيل : انقطاع الوحي لا يكون عزلاً عن النبوّة ، بل غايته أنه أمارة الموت للاستغناء عن الرسالة ، فإن فهمت منه قرب الموت ، فالموت خير لك من الأولى ، وفهم النبي صلى الله عليه وسلم من الخطاب بقوله : ما ودعك ربك وما قلى تشريفاً عظيماً ، فقيل له : { وللآخِرةُ خيرٌ لك من الأوْلَى } ، أي : أنَّ الأحوال الآتية خير لك من الماضية ، فهو وعد بأنه سيزيده عزَّا إلى عزِّه ، وبيان أن الآخرة خيرٌ ، كأنه صلى الله عليه وسلم يفعل فيها ما يريد ، ولأنه آثرها فهي ملكه ، وملكه خير مما لا يكون ملكه ، أو لأن الكفار يؤذونك وأمتك في الدنيا ، وأما في الآخرة فهم شهداء على الناس ، أو لأن خيرات الدنيا قليلة مقطوعة ، ولم يقل : خير لك ، لأن فيهم من الآخرة شر له ، فلو ميزهم لافتضحوا .


[60403]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/611) عن الحسن وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
[60404]:أخرجه مسلم في "صحيحه" (1/191) كتاب الإيمان: باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته (346 -202) والبغوي في "شرح السنة" (7/507) من حديث عبد الله بن عمرو.