اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ وَقَالَ يَـٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗاۖ وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِيٓ إِذۡ أَخۡرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بَيۡنِي وَبَيۡنَ إِخۡوَتِيٓۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٞ لِّمَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (100)

{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ } من باب التَّغليب ، يريد : أباه وأمه أو خالته { عَلَى العرش } قال أهل اللغة : العرشُ : السَّريرُ الرَّفيعُ ، قال تعالى : { وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } [ النمل : 23 ] .

والرفع : هو النقل إلى العلو ، و " سُجَّداً " حال .

قال أبو البقاء : " حال مقدرةٌ ؛ لأنَّ السجود يكن بعد الخُرُورِ " .

فإن قيل : إن يعقوب عليه السلام ، كان أبا يوسف فحقُّه عظيم ، قال تعالى : { وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ وبالوالدين إِحْسَاناً } [ الإسراء : 23 ] فقرون حق الوالدين بحق نفسه ، وأيضاً : فإنَّه كان شيخاً كبيراً [ والشاب ] يجبُ عليه تعظيم الشيخ وأيضاً : كان من أكابر الأنبياء ، ويوسف ، وإن كان نبياً إلا أن يعقوب كان أعلى حالاً منه .

وأيضاً : فإن جدّ يعقوب ، واجتهاده في تكثير الطّاعات أكثر من جد يوسف ، واجتماع هذه الجهات الكثيرةِ يوجب المبالغة في خدمة يعقوب ، فكيف استجاز يوسف أن يسجد له يعقوب ؟ .

فالجواب من و جوه :

الأول : روى عطاءٌ عن ابن عبَّاسٍ : أنَّ المراد بهذه الآية أنهم خرُّوا سجداً لأجل وجدانه ، فكيون سجود شكر لله تعالى لأجل وجدانه يوسف ، ويدلُّ عليه قوله تعالى : { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً } .

وذلك يشعر بأهم صعدوا على السرير ، ثمَّ سجدوا لله ، ولو أنهم سجدوا ليوسف لسجدوا له قل الصُّعود على السَّرير ؛ لأنَّ ذلك أدخل في التَّواضع .

فإن قيل : هذا التَّأويلُ لا يطابق قوله : { ياأبت هذا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ } [ يوسف : 100 ] .

والمراد منه قوله : { إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } [ يوسف : 4 ] قيل : معناه لأجلي ، لطلب مصلحتي ، وللسعي في إعلاء منصبي ، وإذا احتمل هذا سقط السؤال .

الثاني : أن يقال : إنهم جعلوا يوسف كالقبلة وسجدوا لله شكراً لنعمته .

وهذا تأويلٌ حسنٌ ، فإنه يقال : صليت للكعبة كما يقال : صليتُ إلى الكعبة ؛ قال حسَّانُ رحمه الله : [ البسيط ]

3153 ألَيْسَ أوَّل من صَلَّى لِقبْلتِكُمْ *** وأعْرَفَ النَّاس بالآثَارِ والسُّنَنِ

فدلَّ على أنَّه يجوز أن يقال : فلانٌ صلَّى للقلبةِ ، فكذلك يجوز أن يقال : سجد لِلْقِبْلةِ .

وقوله : { وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً } أي جعلوه كالقبلة ثمَّ سجدوا لله شكراً لنعمة وجدانه .

الثالث : التَّواضع يسمى سجوداًح كقوله : [ الطويل ]

3154 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** تَرَى الأكْمَ فِيهَا سُجَّداً للحَوَافِرِ

فالمراد هنا التَّواضعُ ، وهذا يشكلُ بقوله تعالى : { وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً } والخرور مشعر بالإتيان بالسُّجود على أكمل الوجوه .

وأجيب : بأنَّ الخرور يعني به المرور فقط ، قال تعالى : { لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } [ الفرقان : 73 ] يعنى : لم يمروا .

الرابع : أن يقال الضمير في قوله : { وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً } عائد إلى إخوته وإلى سائر من كان يدخل عليه لأجل التَّهنئةِ ، والتقدير : ورفع أبويه على العرش مبالغة في تعظيمها ، وأمَّا الإخوةُ وسائر الدَّاخلين ، فخروا له ساجدين .

فإن قيل : هذا لا يلائم قوله : { ياأبت هذا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ } .

فالجواب : أن يعتبر الرُّيؤيا لا يجب أن يكون مطابقاً للرُّؤيا بحسب الصُّورةِ ، والصِّفة من كُلِّ الوجوه ، فسجودُ الكواكب والشَّمس والقمر معبر بتعظيم الأكابر من النَّاس ولا شك أنَّ ذهاب يعقوب من كنعان مع أولاده إلى مصر نهاية التعظيم له ، فكفى هذا القدر من صَّحة الرُّؤيا ، فأمَّا كون التَّعبير مساوياً في الصُّورةِ والصِّفة ، فلم يوجبه أحد من العقلاءِ .

الخامس : لعلَّ الفعل الدَّال على التَّحية في ذلك الوقت ، كان هو السُّجودُ وكان مقصودهم من السجود تعظيمه ، ثمَّ نسخ ذلك في شرعنا .

وهذا بعيد ؛ لأنَّ المبالغة في التَّعظيم كانت أليق بيوسف منها بيعقوب ، فلو كان الأمر كما قلتم ، لكان من الجواب أن يسجد يوسف ليعقوب عليه الصلاة والسلام .

السادس : لعلَّ إخوته حملتهم الأنفة ، والاستعلاءُ على ألاّ يسجدو له على سبيل التَّواضع ، وعلم يعقوب أنهم إن لم يفعلوا ذلك لصار ذلك سبباً لثوران النَّفس ، وظهور الأحقاد القديمة بعد كُمونِها ، فيعقوب عليه الصلاة والسلام مع جلالته وعظم قدره بسبب الأوبة والشَّيخوخة ، والتَّقدُّم في الدِّين ، والعلم ، والنبوة فعل ذلك السُّجود حتَّى تصير مشاهدتهم لذلك سبباً لزوال تلك الأنفة ، والنفرة عن قلوبهم .

السابع : لعلَّ الله تعالى أمر يعقوب بتلك السَّجدة لحكمة خفية لا يعلمها إلا هو [ كما أمر الملائكة بالسجود لآدم صلوات الله وسلامه عليه لحكمة لا يعلمها إلا هو ] ، ويوسف ما كان راضياً بذلك في قلبه إلا أنَّه لما علم أنَّ الله أمره بذلك سكت .

ثم إنَّ يوسف عليه الصلاة والسلام لما رأى هذه الحالة : { وَقَالَ ياأبت هذا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً } ، وهي قوله : { إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً } [ يوسف : 4 ] وهاذ يقوّي الجواب السَّابع .

والمعنى : أنَّه لا يليق بمثلك على حالتك ، في العلم ، والدين ، والنبوة أن تسجد لولدك إلا أنَّ هذا أمر أمرت به ، وأن رؤيا الأنبياء حقٌّ ، كما أنَّ رؤيا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ذبح ولده كان سبباً لوجوب ذلك الذبح عليه في اليقظةِ ، لذلك صارت هذه الرُّؤيا التي رآها يوسف سبباً لوجوب السُّجودِ على يعقوب .

قوله : { مِن قَبْلُ } يجوز أن يتعلق ب " رُؤيَايَ " أي تأويل رؤياي في ذلك الوقت ويجوز أن يكون العامل فيه : " تأوِيلُ " ؛ لأن التَّأويل كان من حين وقوعها هكذا والآن ظهر له ، ويجوز أن يكون حالاً من : " رُؤيَايَ " قاله أبو البقاء .

وقد تقدَّم أنَّ المقطوع عن الإضافة لا يقع حالاً .

قوله : { قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً } حال من : " رُؤيَايَ " ، ويجوز أن تكون مستأنفة وفي " حَقًّا " وجوه :

أحدها : أنه حال .

والثاني : أنه مفعول ثانٍ .

والثالث : أنه مصدر مؤكد لفعل من حيث المعنى ، أي : حقَّقها ربي حقاً بجعله .

قوله : " أحْسنَ بِي " " أحْسنَ " أصله أن يتعدَّى بإلى ، قال تعالى : { وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ } [ القصص : 77 ] فقيل : ضمن معنى : " لَطفَ " متعدّياً بالباءِ ، كقوله تعالى : { وبالوالدين إِحْسَاناً } وقول كثير عزَّة : [ الطويل ]

3155 أسِيئِي بِنَا ، أو أحْسِنِي لا مَلُومةً *** لَديْنَا ولا مَقْليَّةً إنْ تَقلَّتِ

وقيل : بل يتعدى بها أيضاً ، وقيل : هي بمعنى " إلى " وقيل : المفعول محذوف . تقديره : أحسن صنعه بِى ، ف : " بي " متعلقة بذلك المحذوف ، وهو تقدير أبي البقاءِ .

وفيه نظرٌ ؛ من حيث حذف المصدر ، وإبقاء معموله ، وهو ممنوع عند البصريين .

و " إذْ " منصوب ب " أحْسَنَ " ، أو المصدر المحذوف ، قاله أبو البقاء وفيه النظر المتقدِّمُ .

والبَدْوُ : ضد الحضارة ، وهو من الظُّهورِ ، بَدَا يَبْدُوا : إذ سكن البادية .

يروى عن عمر رضي الله عنه : " إذَا بَدوْنَا جَفوْنَا " أي : تخلقنا بأخلاق البدويين .

قال الواحديُّ : البدو بسيطٌ من الأرض يظهرُ فيه الشخص من بعيدٍ ، أصله من بَدَا يَبْدُوا بَدْواً ، ثم سمي المكان باسم المصدر ، ويقال : : بَدْوٌ وحَضَرن وكان يعقوب وولده بأرض كعنان أهل مواشٍ وبريَّةٍ .

وقال ابن عبَّاس رضي الله عنه : [ كان يعقوب قد تحوَّل إلى بدا وسكنها ] ومنها قدم على يوسف ، وبها مسجد تحت جبلها .

قال ابن الأنباري " بدا " اسم موضع معروف ، ياقل : بين شعيب عليه السلام وبدا ، وهما موضعان ذكرهما جميعاً كثيرٌ : [ الطويل ]

3156 وأنْتِ الَّتِي حَبَّبْتِ شَعْباً إلى بَدَا *** إليَّ وأوْطَانِي بِلادٌ سِواهُمَا

والبدو على هذا القول معناه : قصد هذا الموضع الذي يقال له بدا ، يقال : بَدَا القَوْمُ بدواً إذا أتوا بَدَا ، كما يقال : غَارَ القوم غَوْراً ، إذا أتوا الغُوْر ، وكان معنى الآية : وجاء بكم من قصد بدا ، وعلى هذا القول كان يعقوب ، وولده حضريِّين ، لأن البدو لم يرد به البادية لكن عني به قصد بدا .

فصل

اعلم أن قوله { ياأبت هذا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً } وهو قوله : { إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً } [ يوسف : 4 ] ، { وَقَدْ أَحْسَنَ بي } أنعم عليَّ { إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السجن } ولم يقل من الجُبّ مع كونه أشدّ من السجن استعمالاً للكرم كيلا تخجل إخوته بعدما قال : { لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ اليوم } [ يوسف : 92 ] ولو ذكر الجبّ كان تثريباً لهم ؛ ولأن نعمة الله عليه في أخراجه من السجن أعظم ؛ لأنَّه بعد الخروج من الجُبّ صار إلى العبودية والرق وبعد الخروج من السجن صار الملك ولأنه لما خرج من الجُب وقع في المضار بسبب تهمة المراة ، ولما خرج من السِّجن ، وصل إلى أبيه وإخوته وزالت عنه التُّهمة .

وقال الواحديُّ : " النِّعمة في إخراجه من السجن أعظم ؛ لأنَّ دخوله في السجن كان بسبب ذنب هَمَّ به ، وهيا ينبغي أن يحمل على ميل الطبع ، ورغبة النَّفس ، وهذا وإن كان في محل العفو في حقّ غيره إلا أنه كان سبباً للمؤاخذة في حقه ؛ لأنَّ حسناتِ الأبرار سيئاتُ المقربين " .

فصل دلَّت هذه الآية على أنَّ فعل العبد خلق الله تعالى ؛ لأنَّه أضاف إخراجه من السجن إلى [ الله تعالى ] ومجيئهم من البدو إليه ، وهذا صريحٌ في أن فعل العبد فعل الله تعالى فإن حملوه على أن المراد أن ذلك إنَّما حصل بإقدار الله ، وتدبيره ، فذلك عدولٌ عن الظَّاهر .

ثم قال : { مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشيطان } أفسد وأغوى ، وأصله من نَزَغَ الرَّاكض الدَّابة حملها على الجَرْي إذا نخسها .

احتجَّ الجبائيُّ ، الكعبيُّ ، والقاضي أبو إسحاق بهذه الآية : على بُطلانِ الجبر قالوا لأنه تعالى ، أخبر عن يوسف ت عليه الصلاة والسلام أنه أضاف الإحسان إلى الله تعالى وأضاف النَّزْغَ إلى الشِّيطان ، ولو كان ذلك أيضاً من الرحن ، لوجب أن لا ينسب إلا إليه كما في النعمة .

الجواب : أنَّ إضافة هذا القول إلى الشيطان مجاز ؛ لأنَّ عندكم الشِّيطان لا يتمكنَّن من الكلام الخفيّ ، كما أخبر الله عنه ، فقال : { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي }

[ إبراهيم : 22 ] فظاهر القرآن يقتضي إضافة هذا الفعل إلى الشيطان مع أنه ليس كذلك ، وأيضاً : فإن كان إقدام المرءِ على المعصية بسبب الشِّيطان ، فإقدام الشيطان على المعصية إن كان بسبب شيطان آخر ؛ لزم التسلسل وهو محالٌ ، وإن لم يكن بسبب شيطان آخر ، فليقل مثله في حق الإنسان ، فثبت أن إقدام المرء على الجهل والفسق بسب الشيطان وليس بسبب نفسه لأن أحداً لا يميل طبعه إلى اختيار الجهل الفسق الذي يوجب وقوعه في الذَّم في الدُّنيا ، وعذاب الآخرة ولما كان وقوعه في الكفر ، والفسق لا بد له من موقع ، وقد بطل القسمان لم يبق إلا أن يقال : ذلك من الله تعالى ويؤيد ذلك قوله : { أَخْرَجَنِي مِنَ السجن وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ البدو } وهذا صريحٌ في أنَّ الكل من الله تعالى .

ثم قال : { إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ } " لطيف " أصله أن يتعدَّى بالباء ، وإنَّما يتعدى بللاَّم لتضمنه معنى مدبر ، أي : أنت بلطفك لما تشاءُ .

والمعنى : أنه ذو لطف لما يشاء ، وقيل : بمن يشاء ، وحقيقته أللُّطفِ : الذي يوصل الإحسان إلى غيره بالرفق .

والمعنى : أن اجتماع يوسف ، وإخوته مع الأُلْفِ ، والمحبَّة ، وطيب العيشِ ، وفراغ البال كان في غاية البُعدِ عن العقول ، إلا أنه تعالى لطيفٌ ، فإذا أراد حصول شيءٍ سهل أسبابه ، فحصل ، وإن كان في غايةِ البعدِ عن الحصولِ .

{ إِنَّهُ هُوَ العليم الحكيم } يعني أنَّ كونه لطيفاً في أفعاله إنَّما كان لأنه عليم بجميع الاعتبارات الممكنة التي لا نهاية لها ، فيكون عالماً بالوجه الذي يسهل تحصيل ذلك الصعب .

فصل

اختلفوا في مقدار الوقت ما بين الرُّؤيا واجتماعهم . فقيل : ثمانون سنة ، وقيل : سبعون ، وقال الأكثرون : أربعون ، ولذلك يقولون : إنَّ تأويل الرُّؤيا إنَّما صحَّت بعد أربعين سنة . وقيل : ثماني عشرة سنة وبقي في العبودية ، والملك ، والسجن ثمانين سنة ، ثمَّ وصل إليه أقاربه ، وعاش بعد ذلك ثلاثاً وعشرين سنة . وقال : أقام يعقوبُ بمصر عند يوسف أربعاً وعشرين سنة ، ثم مات بمصر ، فلما حضرته الوفاة أوصى ابنه يوسف أن يحمل جسده حتى يدفن عد أبيه إسحاق ، ففعل يوسف ومضى به حتَّى دفنه بالشَّام ، ثم رجع إلى مصر .

قال سعيد بن جبيرٍ : نُقل يعقوب في تابوت من ساج إلى بيت المقدس فوافق ذلك يوم مات عيصُو ، فدفنا في قبرٍ واحدٍ ، وكانا ولدا في بطنٍ واحدٍ ، وكان عمرهما مائة وسبعة وأربعين سنة ، وعاش يوسف بعد ذلك عشرين سنة ، وقيل : ستين سنة ومات وهو ابن مائة عشرين سنة ، وفي التوراة مائة وعشرين ، وولد له إفرائيم ، وميشا وولد لإفرائيم نو ، ولاوي ، ويوشع فتى موسى عليه الصلاة والسلام ورحمة امرأة أيوب عليه الصلاة والسلام وأنه تمنى الموت . وقيل : ما تمنَّاه نبيُّ قبله ، ولا بعده فتوفَّاه الله طيباً طاهراً ، فتخاصم أهل مصر في دفنه كل أحد يحبُّ أن يدفنه في محلتهم ، فرأوا أن الأصلح أن يعمل له صندوقاً من مرمر ، ويجعلوه فيه ، ويدفنوه في النِّيل ليمر الماء عليه ، ويصل إلى مصر ، وبقي هناك إلى أن بعث موسى عليه الصلاة والسلام ، فأخرج عظمه من مصر ، ودفنه عند أبيه .