اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِذۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰٓ} (38)

قوله : { إذْ أَوْحَيْنَا } العامل في " إذِ مَنَنا " {[24102]} أي مننا عليك في وقت إيحائنا إلى أمك ، وأبهَمَ في قوله : { مَا يُوحَى } للتعظيم كقوله تعالى : { فَغَشِيَهُمْ مِّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ }{[24103]} وهذا وحي إلهام ، لأن الأكثرين على أن أم موسى - عليه السلام-{[24104]} ما كانت من الأنبياء ، وذلك{[24105]} لأن المرأة لا تصلح للقضاء والإمامة ، ولا تمكن عند أكثر العلماء من تزويج نفسها ، ويدل على ذلك{[24106]} قوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ }{[24107]} .

والوحي قد{[24108]} جاء في القرآن لا بمعنى النبوة قال تعالى : { وأوحى رَبُّكَ إلى النحل }{[24109]} { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين }{[24110]} ثم{[24111]} اختلفوا في المراد بهذا الوحي على وجوه{[24112]} :

الأول{[24113]} : أنه رؤيا رأتها{[24114]} أم موسى{[24115]} ، وكان تأويلها وضع موسى عليه السلام{[24116]} في التابوت ، وقذفه في البحر ، وأن الله تعالى يرده إليها{[24117]} .

الثاني{[24118]} : أنه عزيمة جازمة وقعت في قلبها دفعة واحدة .

الثالث{[24119]} : المراد منه{[24120]} خطور البال وغلبته على القلب .

فإن قيل : الإلقاء في البحر قريب من الإهلاك ، وهو مساوٍ للخوف الحاصل من القتل المعتاد من فرعونَ ، فكيف يجوز الإقدام على أحدهما لأجل الصيانَة عن الثاني ؟ فالجواب لعلَّها عرفت بالاستقراء صدقَ رؤياها ، فكان الإلقاء في البحر إلى السلامة أغلب على ظنها من وقع الولد في يد فرعون ، أو لعله{[24121]} أوْحَى إلى بعض الأنبياء في ذلك الزمان كشُعَيْب{[24122]} أو غيره{[24123]} ، ثم أن ذلك النبي عرفها إمّا مشافهة ، أو مراسلة .

واعترض عليه{[24124]} بأن{[24125]} الأمر لو كان كذلك لما لحقها الخوف . وأجيب{[24126]} : ذلك الخوف كان من لوازم البشرية ، كما أن موسى - عليه السلام{[24127]}- كان يخاف من فرعون مع أن الله - تعالى- كان أمره بالذهاب إليه مروراً .

الرابع من الأوجه{[24128]} : لعل بعض الأنبياء المتقدمين كإبراهيم وإسحاق ويعقوب - عليهم السلام{[24129]}- أخبروا بذلك الخبر ، وانتهى ذلك الخبر إلى أمه . أو لعل{[24130]} الله بَعَثَ إليها مَلَكَاً لا{[24131]} على وجه النبوة كما بعث إلى مريم في قوله : { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً }{[24132]} .

وأما قوله : { مَا يُوحى }{[24133]} معناه : أوحينا إلى أمِّكَ ما يجب أن يُوحى ، وإنما وجب ذلك الوحي ، لأن الواقعة عظيمة ، ولا سبيل إلى معرفة المصلحة فيها إلا بالوحي ، فكان الوحي فيها واجباً{[24134]} .


[24102]:في قوله تعالى: {ولقد مننا عليك مرة أخرى} الآية [37] من السورة نفسها وانظر التبيان 2/891.
[24103]:[طه: 78] والاستشهاد بالآية على أن حق الكلام كان: فغشيهم من ماء اليم شدته، فعدل إلى لفظه (ما) لما فيها من الإبهام تهويلا للأمر، وتعظيما للشأن، لأنه أبلغ من التعيين لأن الوهم يقف في التعيين على الشيء المعين، ولا يقف عند الإبهام، بل يتردد في الأشياء المختلفة، فيكون أبلغ تخويفا وتهديدا. انظر البيان 2/151.
[24104]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[24105]:ذلك: سقط من ب.
[24106]:في ب: عليه.
[24107]:[الأنبياء: 7].
[24108]:قد: سقط من ب.
[24109]:[النحل: 68].
[24110]:[المائدة: 11].
[24111]:في ب: فصل.
[24112]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/50 – 52.
[24113]:في ب: أحدها.
[24114]:في ب: أنها. وهو تحريف.
[24115]:في ب: أم موسى عليه السلام.
[24116]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[24117]:في الأًصل: عليها.
[24118]:في ب: ثانيها.
[24119]:في ب: ثالثها.
[24120]:في ب: بذلك.
[24121]:في ب: أو لأنه.
[24122]:في ب: إلى شعيب عليه الصلاة والسلام.
[24123]:في الأصل: وغيره.
[24124]:في ب: فإن قيل: واعترض عليه.
[24125]:في الأصل: أن.
[24126]:في ب: فالجواب.
[24127]:في ب: عليهم الصلاة والسلام.
[24128]:في الأصل: الثالث.
[24129]:في ب: عليهم الصلاة والسلام.
[24130]:في ب: أو لأن.
[24131]:لا: سقط من الأصل.
[24132]:[مريم: 17].
[24133]:في الأصل: "ما أوحى".
[24134]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/51 – 52 بتصرف.