اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ثُمَّ سَوَّىٰهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِۦۖ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ} (9)

«ثُمَّ سَوَّاهُ » سوى خلقه { وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ } يعني آدم ؛ لأن كلمة «ثُمَّ » للتراخي فتكون التسوية بعد جعل النسل من سلالة ، وذلك بعد خلق آدم ، ثم عاد إلى ذريته فقال : { وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار } ( أي{[42777]} جعل لكم بعد أن كنتم نطفاً السمع والأبصار ) والأفئدة { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } يعني لا تشكرون رب هذه النعم فتوحدونه ، فقوله { وَجَعَلَ لَكُمُ السمع } هذه التفات من ضمير ( غائب ){[42778]} مفرد في قوله : «نَسْلَهُ » إلى آخره إلى خطاب جماعة .

وفي هذا الخطاب لطيفة وهي أن الخطاب يكون مع الحي فلما قال : { وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ } خاطبه من بعد وقال : «وَجَعَلَ لَكُمْ » .

فإن قيل : الخطاب واقع قبل ذلك كما في قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ } [ الروم : 20 ] .

فالجواب : هناك لم يذكر الأمور المترتبة وهي كون الإنسان طيناً ثم ماء مَهِيناً ، ثم خَلْقاً مسوى{[42779]} بأنواع القوى فخاطبه في بعض المراتب دون بعض .

فإن قيل : ما الحكم في ذكر المصدر في السمع وفي البصر والفؤاد الاسم ، ولهذا جَمَعَ الأبْصَارَ ، والأفئدةَ ولم يجمع السمعَ ؛ لأن المصدر لا يجمع ؟ .

فالجواب : أن السمع قوةٌ واحدة ولها مَحِلٌّ واحد وهو الأذن ولا اختيار لها فيه فإن الصوت من أي جانب كان يصل إليه ولا قدرة للأذن على تخصيص السمع بإدراك البعض دُونَ البعض ، وأمَّا الإبصار فَمَحِلّهُ العين ولها فيه اختيار فإنها تتحرك إلى جانب{[42780]} المَرْئِيّ دون غيره ، وكذلك الفؤاد محل الإدراك وله نوعُ اختيار يلتفت إلى ما يريد دون غيره ، وإذا كان كذلك فلم يكن للمحل في السمع تأثير ، والقوة مستبدة{[42781]} فذكر القوة في العين والفؤاد ؛ ( لأن للمحل نوع{[42782]} اختيار ، فذكر المحل لأن الفعل مسند إلى المختار ألا ترى أنك ) تقول : سَمِعَ زَيْدٌ ، ورأى عمرو ، ولا تقول : «سَمِعَ أذنُ زَيْدٍ » ولا «رأى عَيْنُ عَمْرو » إلا نادراً لأن المختار هو الأصل وغيره آلته{[42783]} ، فالسمع أصل دون محله لعدم له لاختيار له والعين كالأصل وقوة الإبصار آلتها والفؤاد كذلك وقوة الفهم آلته فذكر في السمع المصدر الذي هو القوة ، وفي الإبصار والأفئدة الاسم الذي هو مَحِلّ القوة ولأن السمع قوة واحدة لها محل واحد ولهذا لا يسمع الإنسان في زمان واحد كلامين على وجه يضبطهما ويرى في زمان واحد صورتين فأكثر ويُتْقِنُهُمَا{[42784]} .


[42777]:ما بين القوسين ساقط من "ب".
[42778]:ساقط من "ب".
[42779]:هكذا هي في تفسير الفخر الرازي 25/174.
[42780]:انظر في هذا كله الإمام الفخر الرازي 25/173: 175.
[42781]:في "ب" مستندة.
[42782]:ما بين القوسين ساقط من "ب".
[42783]:في "ب" مانع إليه.
[42784]:انظر: تفسير الفخر الرازي 25/175.