اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الملائكة

عليهم السلام{[1]}

مكية{[2]} وهي ست وأربعون آية وسبع مائة وسبع وتسعون كلمة وثلاثة آلاف ومائة وثلاثون حرفا .

قوله تعالى : { الحمد للَّهِ فَاطِرِ السماوات والأرض } قد تقدم أن الحمد يكون على النعمة في أكثر الأمر . ونعم الله على قسمين عاجلة وآجلة والعاجلة وجود وبقاء والآجلة كذلك إيجاد مرة وإبقاء{[44961]} .

قوله : { فَاطِرِ } إن جعلت إضافة محضة كان نعتاً «لله » وإن جعلتها غير محضة كان بدلاً . وهو قليل ، من حيث إنه مشتق{[44962]} ، وهذه قراءة العامة . والزُّهْريّ والضحاك : «فَطَرَ » فعلاً ماضياً{[44963]}وفيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها صلة لموصول محذوف أي الَّذِي فطر . كذا قدره أبو ( حيان ){[44964]} وأبو الفضل ، ولا يليق بمذهب البصريين لأن حذف الموصول الاسمي لا يجوز{[44965]} ، وقد تقدم هذا الخلاف متسوفًى في البقرة .

الثاني : أنه حال على إضمار «قد » قاله أبو الفضل أيضا{[44966]} .

الثالث : أنه خبر مبتدأ مضمر أي هُوَ فطر{[44967]} وقد حكى الزمخشري قراءة تؤيد ما ذهب إليه الرّازي فقال : «وقرئ الذي فَطَر وَجَعَل » ، فصرح بالموصول{[44968]} .

فصل

معنى فاطر السموات والأرض أي خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق . قاله ابن عباس{[44969]} وقيل : فاطر السموات والأرض أي شاقّهما لِنُزُول الأرواح{[44970]} من السماء وخروج الأجساد من الأرض . ويدل عليه قوله تعالى : { جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً } فإن في ذلك اليوم تكون الملائكةُ رسلاً{[44971]} .

قوله : «جاعل » العامة أيضاً على جره نعتاً أو بدلاً ، والحسن بالرفع والإضافة{[44972]} .

وروي عن أبي عمرو كذلك إلا أنَّه لم ينون{[44973]} ونصب الملائكة ، وذلك على حذف التنوين لالتقاء الساكنين كقوله :

1451- . . . . . . . . . . . . . . وَلاَ ذَاكِرِ اللَّهَ إلاَّ قَلِيلا{[44974]}

وابنُ يعمُر وخُلَيْدُ بن نَشِيطٍ{[44975]} «جَعَلَ » فعلاً ماضياً بعد قراءة فاطر بالجر{[44976]} وهذه

كقراءة : { فَالِقُ الإصباح وَجَعَلَ الليل } [ الأنعام : 96 ] والحَسَنُ وحُمَيْد{[44977]} رُسْلاً بسكون السين{[44978]} وهي لغة تميم . وجاعل يجوز أن يكون بمعنى مصير أوبمعنى خالق فعلى الأولى يجري الخلاف هل{[44979]} نصب الثاني باسم الفاعل أو بإضمار فعل هذا إن اعتقد أن جاعلاً غير ماض أما إذا كان ماضياً تعين أن ينتصب بإضمار فعل{[44980]} .

وتقدم تحقيق ذلك في الأنعام{[44981]} وعلى الثاني ينتصب على الحال{[44982]} ، و «مَثْنَى وثُلاَثَ ورُبَاعَ » صفة لأجنحة و «أُولي » صلة لرُسُلاً{[44983]} .

وتقدم تحقيق الكلام في مَثْنَى وأخْتَيْهَا في سورة النساء{[44984]} قال أبو حيان وقيل : أولي أجنحة معترض و «مثنى » حال والعامل فعل محذوف يدل عليه رسلاً أي يُرْسَلُون مَثْنَى وثُلاَث ورُبَاع{[44985]} وهذا لا يسمى اعتراضاً لوجهين :

أحدهما : أن «أولي » صفة لرسلاً والصفة لا يقال فيها معترضة .

والثاني : أنها ليست حالاً من «رُسُلاً » ( بل ){[44986]} من محذوف فكيف يكون ما قبله معترضاً ؟ ولو جعله حالاً من الضمير في «رُسُلاً » لأنه مشتق لسهل ذلك بعض شيء ويكون الاعتراض بالصفة مجازاً من حيث إنه فاصل في الصورة{[44987]} .

قوله : { يَزِيدُ } مستأنف{[44988]} و «مَا يَشَاءُ » هو المفعول الثاني للزّيادة . والأول لم يقصد فهو محذوف اقتصاراً لأن قوله في الخلق يُغْنِي عَنْهُ{[44989]} .

فصل

قال قتادة ومقاتل : أولي أجنحة بعضهم له جناحان وبعضهم له ثلاثةُ أجنحة ، وبعضهم له أجنحة يزيد فيها ما يشاء وهو قوله : { يَزِيدُ فِي الخلق مَا يَشَاء }{[44990]} قال ( عبد الله ){[44991]} بنُ مسعود في قوله عزّ وجلّ : { لَقَدْ رأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكبرى } [ النجم : 18 ] قال : رأى جبريل في صورته له ستّمائةِ جَنَاح . «قال ابن شهاب في قوله : { يَزِيدُ فِي الخلق مَا يَشَاء } قال : حسن الصوت{[44992]} وعن قتادة : هو المَلاَحَةُ في العينين{[44993]} وقيل : هو العقل والتمييز{[44994]} { إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[44961]:انظر: الفخر الرازي 26/2.
[44962]:قال بذلك التجويزين أبو البقاء في التبيان 1072 وابن الأنباري في البيان 2/285 والسمين في الدر 4/469
[44963]:البحر المحيط 7/297 والمحتسب 2/189 ومختصر ابن خالويه 123 والكشاف 3/297 .
[44964]:نقله في البحر المحيط 7/297 وانظر: الدر المصون 4/469 وما بين القوسين ساقط من ((ب)) وزيادة من ((أ)) وأبو الفضل هو أبو الفضل الرازي وسبق التعريف به.
[44965]:هذا اعتراض أبي حيان على أبي الفضل فقد قال في البحر 7/297 : قال أبو الفضل الرازي: فإما على إضمار الذي فيكون نعتا لله عز وجل وإما بتقدير ((قد)) فيما قبل فيكون بمعنى الحال انتهى. قال: وحذف الموصول الاسمي لا يجوز عند البصريين وأما الحال فيكون حالا محكية والأحسن عندي أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو فطر.
[44966]:البحر المحيط 7/297 ، والدر المصون 4/467 .
[44967]:المرجعان السابقان.
[44968]:نقله في كشافه 3/297 .
[44969]:قاله أبو الفرج ابن الجوزي في زاد المسير 6/472 .
[44970]:كذا هي في ((أ)) هنا والفخر الرازي وما في ((ب)) الملائكة .
[44971]:قاله الرازي في تفسيره 2/26 .
[44972]:قالها الزمخشري بدون نسبة الكشاف 3/297 وقد نسبها القرطبي له في 14/319 وانظر: المحتسب 2/198 وابن خالويه المختصر 123.
[44973]:لم ترو عنه متواترة بل أشار إليها ابن خالويه في المختصر 123 وانظر: البحر المحيط 7/297.
[44974]:هذا عجز بيت من المتقارب لأبي الأسود الدؤلي صدره: فألفيته غير مستعتب ....................... والشاهد: ((ولا ذاكر الله)) حيث حذف التنوين من ((ذاكر)) لالتقاء الساكنين ونصب الجلالة على المفعول وإن كان الوجه الإضافة ومعنى مستعتب راجع بالعتاب عن قبيح ما يفعل وانظر: الكتاب 1/169 ، والمقتضب 1/19 و 2/313 والخصائص 1/311 والبيضاوي 2/156 وفتح القدير 4/392 والمغني 555 وشرح شواهده للسيوطي 933 والمنصف 2/231 والإنصاف 659 وابن يعيش 8/34 والهمع 2/119 .
[44975]:هو كما هو في ابن جني والبحر ((خليد)) وفي ((ب)) خليل وهو تحريف ولم أقف عليه.
[44976]:المختصر 123، والمحتسب 2/198 والبحر 7/297 .
[44977]:هو حميد بن قيس الأعرج أبو صفوان المكي ثقة أخذ عن مجاهد بن جبر وعنه سفيان بن عيينة مات سنة 130ه، انظر غاية النهاية 1/265 .
[44978]:لم أجدها في المتواتر نقلها أبو حيان في بحره 7/297 .
[44979]:في ((ب)) ((على)) بدل ((هل)) .
[44980]:لأنه إذا كان بمعنى الماضي فإن لا يشبه الماضي فإن ((ضاربا)) ليس على عدد ((ضرب)) ولا مثله في حركاته وسكناته فكذلك لا تقول: زيد ضارب عمرا أمس ولا وحشي قاتل حمزة يوم أحد. بتصرف شرح المفصل 6/76.
[44981]:عند قوله تعالى {فالق الإصباح وجعل الليل سكنا} وبين هناك أن أكثر النحويين يجعلون فالق وجاعل بمعنى الماضي لأن الفلق والجعل قد كانا فعلى هذا يكون نصب ((سكنا)) على إضمار فعل وهناك من نصبه بالفعل المذكور، انظر اللباب 3/95 ب الأنعام. وانظر شرح المفصل لابن يعيش 6/78 .
[44982]:يقصد: ((رسلا)) وقد قال بهذا الإعراب أبو البقاء في التبيان 1072 .
[44983]:المرجع السابق .
[44984]:عند قوله:{فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} وهي الآية 3 منها وأوضح أن هذه أعداد معدولة في حال التنكير فتعرفت بالعدل ومنعت من الصرف للعدل والتعريف ومن قائل: إنها للعدل والصفة والفائدة في عدلها الدلالة على التكرير فمعنى مثنى: اثنان اثنان وثلاث: ثلاثة ثلاثة. وهكذا.
[44985]:قاله في البحر 7/299 .
[44986]:سقط من ((أ)).
[44987]:الدر المصون 4/462 و463 .
[44988]:التبيان 1072.
[44989]:الدر الصون 4/463 .
[44990]:نقله القرطبي في الجامع 14/319 وابن الجوزي في الزاد 6/473 ، والبغوي في معالم التنزيل 5/296 .
[44991]:زيادة من ((أ)) وسقط من ((ب)) .
[44992]:وهو رأي ابن جريج أيضا زاد المسير 6/473 .
[44993]:السابق .
[44994]:تفسير البغوي 5/297 .