ثم وصَفَ المُنَافِقِين ، فقال : { الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين } يعني : يتَّخذون اليَهُود والنَّصَارى أولياء ، وأنْصاراً ، وبِطَانة من دُون المُؤمنين ، كان المُنَافقُون يوادُّونَهُم{[11]} ، ويقول بَعْضهم لبَعْضٍ : إن أمر محمَّد لا يَتِمُّ .
قوله : " الَّذِين " يجُوز فيه النَّصْب والرَّفْع ، فالنصب من وَجْهَيْن :
أحدهما : كونه نعتاً للمُنَافِقِين .
والثاني : أنه نَصْب بفعلٍ مُضْمَر ، أي أذمُّ الَّذِين ، والرَّفْع على خَبر مُبْتَدأ مَحْذُوف ، أي : هم الَّذِين .
قال القُرْطُبِيُّ{[12]} : وفي الآيَة دَلِيلٌ على أنَّ من عَمِل مَعْصِيَةً من الموحّدين ، ليس بمنافِقٍ ؛ لأنَّه لا يتولّى الكُفَّار ، وتضمنت المَنْع من مُوالاة الكُفَّار ، وأنْ يتَّخِذُوا أعْواناً على الأعْمال المُتَعَلِّقة بالدِّين ، وفي الصَّحيح عن عَائِشَة - رضي الله عنها - : " أنّ رجلاً من المُشْرِكين لحق بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يُقَاتِل مَعَه ، فقال : ارجعْ ، فإنَّنا لا نَسْتَعِين بِمُشْرِكٍ " {[13]} .
قوله : { أيبتغون عندهم العزة } أي : المَعُونة ، والظُّهور على محمَّد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقيل : أيطلبون{[14]} عندهُم القُوَّة ، والغَلَبة ، والقُدْرة .
قال الواحدي{[15]} : أصَلُ العِزَّة في اللُّغَة : الشِّدَّة ، ومنه : قيل : للأرْضِ [ الصَّلْبَة ]{[16]} الشَّديدة : عزَاز ويقال : قد استَعَزَّ المرضُ على المَرِيضِ : إذا اشتدَّ مَرَضُه وكاد أن يَهْلَكَ وعَزَّ الهَمُّ إذا اشْتَدَّ ، ومنه : [ عَزَّ ]{[17]} عليَّ أن يكُون كذا بِمَعْنَى : اشتَدَّ ، وعز الشَّيْء : إذا قلَّ حتى لا يَكُادُ يُوجَد ؛ لأنه اشتدَّ مطلبُهُ ، واعتز فلانٌ بفلان : إذا اشتَدَّ ظَهْرُه به ، وشاةٌ عَزُوزٌ : إذا اشتَدَّ حَلْبُها ، والعِزَّة : القُوَّة ، منقولة عن الشِّدَّة ؛ لتقارب مَعْنَيْهما ، والعَزِيز : القوي المَنِيع بخلاف الذَّلِيل ، فالمُنَافِقُون كانوا يَطْلبون العِزَّة والقُوَّة ، بسبب اتِّصالهم باليَهُود ، فأبطل اللَّه عَلَيْهم هذا الرَّأي بقوله : { فإن العزة لله جميعاً } .
والثاني : قوله : " فإن العزة " لِما في الكلام من معنى الشَّرْط ، إذ المَعْنَى : إن تَبْتَغُوا من هَؤلاء عِزَّةً { فإن العزة لله جميعاً } ، و " جَمِيعاً " : حال من الضَّمِير المُسْتَكِنِّ في قوله : " لِلَّه " لوُقُوعهِ خَبَراً ، [ والمعنى : أنَّ العِزَّة ثبتَتْ لِلَّه - تعالى - حالة كونها جَمِيعاً ]{[18]} .
فإن قيل : هذا كالمُنَاقض لقوله : { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [ المنافقون : 8 ] .
فالجواب : أن القُدْرة الكامِلَة للَّه ، وكل من سِوَاه فبإقداره صَار قادراً ، وبإعْزَازه صارَ عَزِيزاً ، فالعِزَّة الحَاصِلة للرسُول وللمُؤمنين لم تحصل إلا من اللَّه - تعالى - ، فكان الأمْر عند التَّحْقِيقِ : أنَّ العِزَّة للَّه جَمِيعاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.