اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَخۡرَجَ مِنۡهَا مَآءَهَا وَمَرۡعَىٰهَا} (31)

قوله : { أَخْرَجَ } . فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون تفسيراً .

والثاني : أن يكون حالاً .

قال الزمخشري{[59309]} فإن قلت هلاَّ أدخل حرف العطف على «أخرج » ؟ قلت : فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون «دَحَاهَا » بمعنى : بسطها ، ومهَّدها للسُّكْنَى ، ثم فسَّر التَّمهيد بما لابد منه في تأتي سكناها من تسوية أمر المأكلِ والمشربِ وإمكان القرار عليها .

والثاني : أن يكون «أخْرَج » حالاً ، بإضمار «قد » ، كقوله تعالى : { أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } [ النساء : 90 ] .

واعلم أنَّ إضمار «قد » هو قول الجمهور ، وخالف الكوفيون والأخفش .

قوله : { مِنْهَا مَآءَهَا } ، أي : من الأرض عيونها المتفجِّرة بالماء .

و«مَرْعَاهَا » أي : النبات الذي يرعى ، والمراد بمرعاها ، ما يأكل النَّاسُ والأنعامُ ، ونظيره قوله تعالى : { أَنَّا صَبَبْنَا المآء صَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الأرض شَقّاً } ، إلى قوله تعالى : { مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } [ عبس : 25- 32 ] ، واستعير الرَّعي للإنسان ، كما استعير الرَّتعُ في قوله : { يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } [ يوسف : 12 ] وقد قُرئ «نرتع » ويرتع من الرَّعي ، والرعي في الأصل مكان أو زمان ، أو مصدر ، وهو هنا مصدر بمعنى : «المفعول » ، وهو في حق الآدميين استعارة .

قال ابن قتيبة : قال تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } [ الأنبياء : 30 ] ، فانظر كيف دلَّ بقوله : «مَاءهَا ومَرْعاهَا » على جميع ما أخرجه من الأرض قوتاً ، ومنها متاعاً للأنام من العشب ، والشجر ، والثمر ، والحب والقضب ، واللباس ، والدواء ، حتى النار والملح .

أمَّا النار ؛ فلأنها من العيدانِ ، قال جل وعلا : { أَفَرَأَيْتُمُ النار التي تُورُونَ أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ المنشئون } [ الواقعة : 71 ، 72 ] .

وأمَّا الملحُ ؛ فلأنَّه من الماءِ .


[59309]:ينظر الكشاف 4/697.