اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَكَأۡسٗا دِهَاقٗا} (34)

قوله تعالى : { وَكَأْساً دِهَاقاً } .

الدِّهَاقُ : الملأى المُترعَةُ .

قيل : هو مأخوذ من دهقهُ ، أي : ضغطه ، وشده بيده ، كأنه ملأ اليد فانضغط ، قال : [ الوافر ]

5083- لأنْتِ إلى الفُؤادِ أحَبُّ قُرْباً *** مِنَ الصَّادي إلى كَأسِ الدِّهاقِ{[59166]}

وهذا قول ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، وأبي عبيدة ، والزجاج ، والكسائي .

وقال عكرمة : ورُبَّما سمعت ابن عبًّاسٍ يقول : اسقنا وادهق لنا ، ودعا ابن عباس غلاماً له فقال له : اسقنا دهاقاً ، فجاء الغلام بها ملأى ، فقال ابن عباس : هذا الدِّهاق .

وقيل : الدِّهاق : المتتابعة ؛ قال رحمه الله : [ الوافر ]

5084- أتَانَا عَامِرٌ يَبْغِي قِرَانَا *** فأتْرعْنَا لَهُ كَأساً دِهاقَا{[59167]}

وهذا قول أبي هريرة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد .

قال الواحدي : وأصل هذا القول من قول العرب : أدهقت الحجارة إدهاقاً ، وهي شدة ترادفها ، ودخول بعضها في بعض . ذكره الليث .

والتَّتابعُ كالتَّداخُل .

وعن عكرمة وزيد بن أسلمَ : أنَّها الصَّافيةُ ، وهو جمع «دهق » ، وهو خشبتان يعصر بهما .

والمراد بالكأسِ : الخَمْرُ .

قال الضحاك : كل كأس في القرآن فهو خمر ، والتقدير : وخمر ذات دهاق ، أي عصرت وصفيت بالدهاق ، قاله القشيري .

وفي «الصحاح »{[59168]} وأدْهَقْتُ الماءَ ، أي : أفرغتُه إفراغاً شديداً ، قال أبو عمرو : والدَّهْقُ - بالتحريك - ضرب من العذاب ، وهو بالفارسية : «أشكَنْجَه » .

قال المبرد : والمَدهوقُ : المُعذَّبُ بجميع العذاب الذي لا فرجة فيه .

وقال ابن الأعرابي : دهقت الشيء : أي : كسرته وقطعته ، وكذلك : «دَهْدَقْتُهُ » و«دَهْمَقْتُهُ » بزيادة الميم المثلثة .

وقال الأصمعي : «الدَّهْمَقَة » : لين الطعام وطيبه ورقته ، وكذلك كل شيء لين ، ومنه حديث عمر - رضي الله عنه - : لو شئت أن يدهمق لي لفعلت ، ولكن الله عاب قوماً فقال تعالى : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدنيا واستمتعتم بِهَا }{[59169]} [ الأحقاف : 20 ] .


[59166]:ينظر القرطبي 19/120، والبحر 8/402، والدر المصون 6/467.
[59167]:البيت لخداش بن زهير. ينظر القرطبي 19/120، والبحر 8/402، والدر المصون 6/467.
[59168]:ينظر: الصحاح 4/1478.
[59169]:ينظر تفسير القرطبي (19/120).