اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{تَتۡبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ} (7)

{ تَتْبَعُهَا الرادفة } جعل حالاً عن «الرَّاجِفَة » .

وقيل : العامل مقدر ، أي : اذكر يوم ترجفُ .

وفي الجواب على هذا التقدير وجوهٌ :

أحدها : قوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً } [ النازعات : 26 ] .

واستقبحه أبو بكر بن الأنباري ، لطول الفصل .

الثاني : أنه قوله : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ موسى } [ النازعات : 15 ] ؛ لأن «هَلْ » بمعنى : «قَدْ » .

وهذا غلطٌ ؛ لأنه كما تقدَّم في «هَلْ أتَى » أنَّها لا تكون بمعنى «قد » إلاَّ في الاستفهام على ما قال الزمخشري .

الثالث : أن الجواب : «تَتْبعُهَا » وإنَّما حذفتِ «اللامُ » ، والأصل : «اليَوْمَ تَرْجفُ الرَّاجفةُ تَتْبعُهَا » ، فحذفت «اللاَّمُ » ، ولم تدخل نون التوكيد على تتبعها للفصل بين «اللام » المقدَّرة ، وبين الفعل المقسمِ عليه بالظرف ، ومثله : { لإِلَى الله تُحْشَرُونَ } [ آل عمران : 158 ] .

وقيل : في الكلام تقديم ، وتأخير ، أي : يَوْمَ تَرْجفُ الرَّاجفةُ ، تَتْبعُهَا الرَّادفةُ والنَّازعات .

وقال أبو حاتم : هو على التقديم ، والتأخير ، كأنه قالأ : فإذا هم بالساهرة والنازعات .

قال ابنُ الأنباريُّ : وهذا خطأ ؛ لأن الفاء لا يفتتح بها الكلام .

وقيل : «يَوْمَ » منصوب بما دلَّ عليه «راجِفةٌ » ، أي : يَوْمَ تَرْجفُ رَجَفَتْ .

وقيل : بما دلَّ عليه «خَاشِعَة » أي : يوم ترجف خشعت ، وقوله : «تَتْبعُهَا الرَّادفَةُ » يجوز أن يكون حالاً من «الرَّاجِفَةُ » ، وأن يكون مستأنفاً .

فصل في تفسير الآية

قال عبد الرحمن بن زيد : «الرَّاجِفَةُ » أي : المُضطَرِبَةُ ، ومعناه : أنَّ الأرض تضطرب ، و«الرَّادفة » السَّاعة .

وقال مجاهدٌ : الزلزلةُ تتبعها الرادفة ، أي : الصيحة .

وعنه - أيضاً - ، وابن عباس والحسن وقتادة : هما الصَّيحتان ، أي : النفختان ، أمَّا الأولى فتُمِيْتُ كُلَّ شيء بإذنِ الله تعالى ، وأمَّا الثانية فتُحْيِي كُلَّ شيءٍ بإذن الله تعالى .

قال صلى الله عليه وسلم : «بَيْنَ النَّفْخَتيْنِ أرْبعُونَ سنةً »{[59234]} .

وقال مجاهد : «الرَّاجفَةُ » الرجفة حين تنشقُّ السَّماءُ ، وتُحْملُ الأرضُ والجبالُ ، فتُدَكُّ دكَّةً{[59235]} واحدةٍ [ وذلك بعد الزلزلة وقيل : الرجفة تحرك الأرض والرادفة زلزلة أخرى تفني الأرضين ]{[59236]} .

وأصل «الرَّجفَةِ » الحركةُ ، قال تعالى : { يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض } [ المزمل : 14 ] ، وليست الرجفة هناك من الحركة فقط ، بل من قولهم : رجف الرَّعدُ يرجف رجفاً ورجيفاً ، أي : أظهرت الصوت والحركة ، ومنه سُمِّيت الأراجيف لاضطراب الأصوات بها ، وإفاضة النَّاس فيها .

وقيل : الرجفة هذه منكرة في السحاب ، ومنه قوله تعالى : { فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة } [ الأعراف : 78 ] .

وأما الرادفة : فكل شيء جاء بعد شيء آخر ، يقال : ردفهُ : أي : جاء بعده .


[59234]:تقدم.
[59235]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/425)، عن مجاهد وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/510)، وعزاه إلى عبد بن حميد والبيهقي في "البعث".
[59236]:سقط من: ب.