اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَّا يَسۡمَعُونَ فِيهَا لَغۡوٗا وَلَا كِذَّـٰبٗا} (35)

قوله تعالى : { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً } أي : في الجنة ، وقيل : في الكأس . { لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً } .

اللَّغو : الباطلُ ، وهو ما يلغى من الكلام ويطرح ، ومنه الحديث : «إذا قُلتَ لِصاحبِكَ : أنْصِتْ ، فَقَدْ لغَوْتَ »{[59170]} وذلك أنَّ أهل الجنة إذا شربوا لم تتغير عقولهم ، ولم يتكلموا بلغو بخلاف الدنيا ، و«لا كِذَّاباً » أي : لا يتكاذبُون في الجنَّةِ .

وقيل : هما مصدران للتكذيب ، وإنَّما خففها ؛ لأنَّها ليست مقيَّدة بفعل يصير مصدراً له ، وشدَّد قوله : { وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } ؛ لأنَّ «كذَّبُوا » يفيد المصدر بالكذاب .

قال شهابُ الدين{[59171]} : «وإنَّما وافقَ الكسائيُّ الجماعة في الأول للتصريح بفعله المشدد المقتضي لعدم التخفيف في «كذَّبوا » ، وهذا كما تقدم في قوله : { فَتُفَجِّرَ الأنهار } [ الإسراء : 91 ] ، حيثُ لم يختلف فيه للتصريح معه بفعله بخلاف الأول » .

وقال مكيٌّ : مَنْ شدد جعله مصدر «كَذَّب » ، زيدت فيه الألف ، كما زيدت في «إكْرَاماً » وقولهم : تَكْذِيباً ، جعلوا التاء عوضاً من تشديد العين ، والياء بدلاً منَ الألف غيَّروا أوَّله كما غيَّروا آخره ، وأصل مصدر الرباعي أن يأتي على عدد حروف الماضي بزيادة ألف مع تغيير الحركات ، وقالوا : «تَكَلُّماً » ، فأتي المصدر على عدد حروف الماضي بغير زيادة ألف ، وذلك لكثرة حروفه ، وضمت «اللام » ولم تكسر ؛ لأنَّه ليس في الكلام اسم على «تفعَّل » ولم تفتح لئلا تشتبه بالماضي ، وقراءة الكسائي : «كِذَّاباً » - بالتخفيف - جعله مصدر كذب كذاباً .

وقيل : هو مصدر «كذب » كقولك : كتبتُ كِتَاباً .


[59170]:تقدم.
[59171]:الدر المصون 6/467.