اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{تَصۡلَىٰ نَارًا حَامِيَةٗ} (4)

قوله : { تصلى نَاراً حَامِيَةً } : هذا هو الخبر .

قرأ أبو عمرو وأبو بكر{[59959]} ويعقوب - رضي الله عنهم - بضم التاء على ما يسم فاعله .

والباقون : بالفتح ، على تسمية الفاعل ، [ والضمير على ]{[59960]} كلتا القراءتين للوجوه .

وقرأ أبو رجاء{[59961]} : بضم التاء ، وفتح الصَّاد ، وتشديد اللام ، وقد تقدم معنى ذلك كله في سورتي : «الانشقاق والنساء » .

فصل في معنى الآية

والمعنى : يصيبها صلاؤها وحرُّها ، «حامية » أي شديدة الحرِّ ، أي قد أوقدت وأُحميت مدةً طويلة ، ومنه : حَمِيَ النهار - بالكسر - وحَمِيَ التنور حمياً فيهما ، أي : اشتد حره ، وحكى الكسائي : اشتد حمى الشمس وحموها بمعنى .

قال صلى الله عليه وسلم : «إنَّ اللهَ أوْقدهَا ألف سنةٍ حتَّى احمرَّت ، ثُمَّ أوْقدَ عليْهَا ألفَ سنةٍ حتَّى ابْيَضَّتْ ، ثُمَّ أوقدَ عَليْهَا حتَّى اسْودَّتْ ، فهي سَوداءُ مُظْلِمَةٌ »{[59962]} .

قال الماوردي : فإن قيل : فما معنى وصفها بالحَمْي ، وهي لا تكون إلا حامية ، وهو أقل أحوالها ، فما وجه المبالغة بهذه الصفة الناقصة ؟ .

قيل : قد اختلف في المراد بالحامية هاهنا .

قيل : المراد : أنها دائمة [ الحمي ]{[59963]} ، وليست كنارِ الدنيا التي ينقطع حميها بانطفائها .

الثاني : أن المراد بالحامية أنَّها حمى من ارتكاب المحظورات ، وانتهاك المحارم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إنَّ لكُلِّ مَلكٍ حِمىً ، وإنَّ حِمَى اللهِ في أرْضهِ محارمهُ ، ومن يرتع حولَ الحِمَى يُوشِك أن يقعَ فِيهِ »{[59964]} .

الثالث : أنها تحمي نفسها عن أن تطاق ملامستها ، وترام مماستها ، كما يحمي الأسد عرينه ؛ كقول الشاعر : [ البسيط ]

5181- تَعْدُو الذِّئَابُ على مَنْ لا كِلاب لَهُ *** وتتَّقِي صَوْلةَ المُستأسدِ الحَامِي{[59965]}

الرابع : وقيل : المراد أنَّها حامية حمي غيظ وغضب مبالغة في شد الانتقام ، كقوله تعالى { تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ } [ الملك : 8 ] .


[59959]:ينظر: السبعة 681، والحجة 6/399، وحجة القراءات 759، وإعراب القراءات 2/469.
[59960]:سقط من ب.
[59961]:ينظر: البحر المحيط 8/457، والدر المصون 6/512.
[59962]:تقدم تخرجه.
[59963]:سقط من ب.
[59964]:أخرجه البخاري (1/153) كتاب الإيمان: باب فضل من استبرأ لدينه رقم (52) وفي كتاب البيوع: باب الحلال بين والحرام بين (2051) ومسلم (3/1219- 1220) كتاب المساقاة: باب أخذ الحلال وترك الشبهات (107/1599) من حديث النعمان بن بشير.
[59965]:البيت للنابغة الذبياني ينظر القرطبي 20/21.