اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَحۡكَمِ ٱلۡحَٰكِمِينَ} (8)

قوله تعالى : { أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين } أي : أتقن الحاكمين صنعاً في كل ما خلق ، وإذا ثبتت القدرة ، والحكمة بهذه الدلالة صح القولُ بإمكان الحشرِ ، ووقوعه ، أمّا الإمكان فبالنظر إلى القدرة ، وأما الوقوع فبالنظر إلى الحكمة ؛ لأن عدم ذلك يقدح في الحكمة كما قال تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا السمآء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً } [ ص : 27 ] .

وقيل : أحكم الحاكمين : قضاء بالحق ، وعدلاً بين الخلق ، وألف الاستفهام إذا دخلت على النفي في الكلام صار إيجاباً ، كقوله : [ الوافر ]

5252- ألَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكبَ المَطَايَا *** . . . {[60514]}

[ قيل : هذه الآية منسوخة بآية السيف .

وقيل : هي ثابتة لأنه لا تنافي بينهما ]{[60515]} .

وكان ابن عباس وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - إذا قرءا : { أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين } ، قالا : بلى ، وإنَّا على ذلك من الشاهدين{[60516]} .

قال القاضي : هذه الآية من أقوى الدلائل على أنه تعالى لا يفعل القبيح ، ولا يخلق أفعال العباد مع ما فيها من السفه والظلم ، لأنه تعالى أحكم الحاكمين ، فلا يفعل فعل{[60517]} السفهاء .

وأجيب : بالمعارضة بالعلم ، والداعي ، ثم نقول : السَّفيهُ من قامت السفاهة به ، لا من خلق السفاهة ، كما أن المتحرك من قامت الحركة به لا من خلقها . والله أعلم .


[60514]:تقدم.
[60515]:سقط من: ب.
[60516]:ينظر تفسير القرطبي (20/79).
[60517]:في أ: أفعال.