اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ} (2)

قوله : { الذي خَلَقَ ، خَلَقَ الإنسان } ، يجوز أن يكون «خَلَقَ » الثاني تفسيراً ل «خَلَقَ » الأول ، يعني أبهمه أولاً ، ثم فسره ثانياً ب «خَلَقَ الإنْسَانَ » تفخيماً لخلق الإنسانِ ، ويجوز أن يكون حذف المفعول من الأول ، تقديره : خلق كلَّ شيء ؛ لأنه مطلق ، فيتناول كُلَّ مخلوقٍ ، وقوله : { خَلَقَ الإنسان } تخصيص له بالذكر من بين ما يتناوله الخلق ، لأنه المنزَّل إليه ، ويجوز أن يكون تأكيداً لفظياً ، فيكون قد أكد الصفة وحدها ، كقولك : الذي قام قام زيد .

والمرادُ بالإنسانِ : الجنس ، ولذلك قال تعالى : { مِنْ عَلَقٍ } جمع علقةٍ ، لأن كل واحدٍ مخلوق من علقة ، كما في الآية الأخرى ، والعلقة : الدَّمُ الجامدُ ، وإذا جرى فهو المسفوح ، وذكر «العَلَق » بلفظ الجمعِ ، لأنه أراد بالإنسانِ الجمع ، وكلهم خلقُوا مِنْ علقٍ بعد النُّطفَةِ . والعلقة : قطعة من دم رطبٍ ، سميت بذلك ؛ لأنها تعلق بما تمر عليه لرطوبتها ، فإذا جفت لم تكن علقة .

فصل

قال ابن الخطيب{[60524]} : فإن قيل : فما وجه التسمية في المباح كالأكل ؟

فالجوابُ : أنه يضيف ذاك إلى الله تعالى ليدفع ببركة اسمه الأذى والضرر ، أو ليدفع شركة الشيطان ، ولأنه ربما استعان بذلك المباح على الطاعة ، فيصير طاعة ، وقال هنا : باسم ربِّك ، وفي التسمية المعروفة : بسم الله الرحمن الرحيم ، لأن الربَّ من صفات الفعل ، وهي تستوجب العبادة بخلاف صفة الذات فأفاد الربُّ هنا معنيين :

أحدهما : أني ربيتك فلزمك الفعل ، فلا تتكاسل .

والثاني : أن الشروع ملزم للإتمام ، وقد ربيتك منذ كنت علقة إلى الآن ، فلم أضيعك ، وقال هنا : «ربك » ، وقال في موضع آخر : { سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ } [ الإسراء : 1 ] كأنه يقول سبحانه : هو لي وأنا له ، كقوله صلى الله عليه وسلم : «عليٌّ منِّي وأنَّا مِنْهُ »{[60525]} ، لأن النعم واصلة منّي إليك ، ولم يصل إليَّ منك خدمة فأقول : أنا لك ، ثم لما أتى بالعبادات وفعل الطاعات ، قال : { سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ } [ الإسراء : 1 ] .

فقوله : { الذي خَلَقَ } كالدليل على الربوبية ، كأنه تعالى يقول : الدليل على أني ربُّك ، أنك ما كنت معه بذاتك وصفاتك ، فخلقتك وربيتك ، ويحتمل أن يكون المعنى أنه حصل منه الخلق .


[60524]:الفخر الرازي (31/15).
[60525]:تقدم تخريجه.