قوله : { الذي خَلَقَ ، خَلَقَ الإنسان } ، يجوز أن يكون «خَلَقَ » الثاني تفسيراً ل «خَلَقَ » الأول ، يعني أبهمه أولاً ، ثم فسره ثانياً ب «خَلَقَ الإنْسَانَ » تفخيماً لخلق الإنسانِ ، ويجوز أن يكون حذف المفعول من الأول ، تقديره : خلق كلَّ شيء ؛ لأنه مطلق ، فيتناول كُلَّ مخلوقٍ ، وقوله : { خَلَقَ الإنسان } تخصيص له بالذكر من بين ما يتناوله الخلق ، لأنه المنزَّل إليه ، ويجوز أن يكون تأكيداً لفظياً ، فيكون قد أكد الصفة وحدها ، كقولك : الذي قام قام زيد .
والمرادُ بالإنسانِ : الجنس ، ولذلك قال تعالى : { مِنْ عَلَقٍ } جمع علقةٍ ، لأن كل واحدٍ مخلوق من علقة ، كما في الآية الأخرى ، والعلقة : الدَّمُ الجامدُ ، وإذا جرى فهو المسفوح ، وذكر «العَلَق » بلفظ الجمعِ ، لأنه أراد بالإنسانِ الجمع ، وكلهم خلقُوا مِنْ علقٍ بعد النُّطفَةِ . والعلقة : قطعة من دم رطبٍ ، سميت بذلك ؛ لأنها تعلق بما تمر عليه لرطوبتها ، فإذا جفت لم تكن علقة .
قال ابن الخطيب{[60524]} : فإن قيل : فما وجه التسمية في المباح كالأكل ؟
فالجوابُ : أنه يضيف ذاك إلى الله تعالى ليدفع ببركة اسمه الأذى والضرر ، أو ليدفع شركة الشيطان ، ولأنه ربما استعان بذلك المباح على الطاعة ، فيصير طاعة ، وقال هنا : باسم ربِّك ، وفي التسمية المعروفة : بسم الله الرحمن الرحيم ، لأن الربَّ من صفات الفعل ، وهي تستوجب العبادة بخلاف صفة الذات فأفاد الربُّ هنا معنيين :
أحدهما : أني ربيتك فلزمك الفعل ، فلا تتكاسل .
والثاني : أن الشروع ملزم للإتمام ، وقد ربيتك منذ كنت علقة إلى الآن ، فلم أضيعك ، وقال هنا : «ربك » ، وقال في موضع آخر : { سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ } [ الإسراء : 1 ] كأنه يقول سبحانه : هو لي وأنا له ، كقوله صلى الله عليه وسلم : «عليٌّ منِّي وأنَّا مِنْهُ »{[60525]} ، لأن النعم واصلة منّي إليك ، ولم يصل إليَّ منك خدمة فأقول : أنا لك ، ثم لما أتى بالعبادات وفعل الطاعات ، قال : { سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ } [ الإسراء : 1 ] .
فقوله : { الذي خَلَقَ } كالدليل على الربوبية ، كأنه تعالى يقول : الدليل على أني ربُّك ، أنك ما كنت معه بذاتك وصفاتك ، فخلقتك وربيتك ، ويحتمل أن يكون المعنى أنه حصل منه الخلق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.