روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَنۢ بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (8)

{ فَلَمَّا جَاءهَا } أي النار التي قال فيها { إِنّى ءانَسْتُ نَاراً } [ النمل : 7 ] وقيل : الضمير للشجرة وهو كما ترى ، وما ظنه داعياً ليس بداع لما أشرنا إليه { نُودِىَ } أي موسى عليه السلام من جانب الطور { أَن بُورِكَ } معناه أي بورك على أن ان مفسرة لما في النداء من معنى القول دون حروفه .

وجوز أن تكون أن المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ، ومنعه بعضهم لعدم الفصل بينها وبين الفعل بقد أو السين أو سوف أو حرف النفي وهو مما لا بد منه إذا كانت مخففة لما في الحجة لأبي علي الفارسي أنها لما كانت لا يليها إلا اوسماء استقبحوا أن يليها الفعل من غير فاصل . وأجيب بأن ما ذكر ليس على إطلاقه . فقد صرحوا بعدم اشتراط الفصل في مواضع ، منها ما يكون الفعل فيه دعاء فلعل من جوز كونها المخففة ههنا جعل { بُورِكَ } دعاء على أنه يجوز أن يدعي أن الفصل بإحدى المذكورات في غير ما استثنى أغلبي لقوله :

علموا أن يؤملون فجادوا *** قبل أن يسألوا بأعظم سؤل

وجوز أن تكون المصدرية الناصبة للأفعال و { بُورِكَ } حينئذٍ إما خبر أو إنشاء للدعاء . وادعى الرضى أن بورك إذا جعل دعاء فإن مفسرة لا غير لأن المخففة لا يقع بعدها فعل إنشائي إجماعاً وكذا المصدرية وهو مخالف لما ذكره النحاة ، ودعوى الإجماع ليست بصحيحة ، والقول بأنه يفوت معنى الطلب بعد التأويل بالمصدر قد تقدم ما فيه ، وفي «الكشف » يمنع عن جعلها مصدرية عدم سداد المعنى لأن { بُورِكَ } إذ ذاك ليس يصلح بشارة وقد قالوا : إن تصدير الخطاب بذلك بشارة لموسى عليه السلام بأنه قد قضي له أمر عظيم تنتشر منه في أرض الشأم كلها البركة وهذا بخلاف ما إذا كان { بُورِكَ } تفسيراً للشأن اه وفيه نظر ، وعلى الوجهين الكلام على حذف حرف الجر أي نودي بأن الخ ، والجار والمجرور متعلق بما عنده وليس نائب الفاعل بل نائب الفاعل ضمير موسى عليه السلام ، وقيل : هو نائب الفاعل ولا ضمير .

وقال بعضهم في الوجه الأول أيضاً إن الضمير القائم مقام الفاعل ليس لموسى عليه السلام بل هو لمصدر الفعل أي نودي هو أي النداء ، وفسر النداء بما بعده ، واوظهر في الضمير رجوعه لموسى وفي أن أنها مفسرة وفي { بُورِكَ } أنه خبر وهو من البركة وقد تقدم معناها ، وقيل : هنا المعنى قدس وظهر وزيد خيراً { مَن فِى النار وَمَنْ حَوْلَهَا } ذهب جماعة إلى أن في الكلام مضافاً مقدراً في موضعين أي من في مكان النار ومن حول مكانها قالوا : ومكانها البقعة التي حصلت فيها وهي البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى : { نُودِىَ مِن شَاطِىء الوادى الايمن فِى البقعة المباركة } [ القصص : 30 ] وتدل على ذلك قراءة أبي { أُمَّ القرى وَمَنْ حَوْلَهَا } واستظهر عموم من لكل { مِنْ } في ذلك الوادي وحواليه من أرض الشام الموسومة بالبركات لكونها مبعث الأنبياء عليهم السلام وكفاتهم أحياءاً وأمواتاً ولاسيما تلك البقعة التي كلم الله تعالى موسى عليه السلام فيها .

وقيل : من في النار موسى عليه السلام ومن حولها الملائكة الحاضرون عليهم السلام ، وأيد بقراءة أبي فيما نقل أبو عمرو الداني . وابن عباس . ومجاهد . وعكرمة { وَمَنْ حَوْلَهَا مِنَ الملئكة } وهي عند كثير تفسير لا قراءة لمخالفتها سواد المصحف المجمع عليه ، وقيل : الأول الملائكة والثاني موسى عليهم السلام ، واستغنى بعضهم عن تقدير المضاف بجعل الظرفية مجازاً عن القرب التام ، وذهب إلى القول الثاني في المراد بالموصولين ، وأياً ما كان فالمراد بذلك بشارة موسى عليه السلام ، والمراد بقوله تعالى على ما قيل : { وسبحان الله رَبّ العالمين } تعجيب له عليه السلام من ذلك وإيذان بأن ذلك مريده ومكونه رب العالمين تنبيهاً على أن الكائن من جلائل الأمور وعظائم الشؤون ، ومن أحكام تربيته تعالى للعالمين أو خبر له عليه السلام بتنزيهه سبحانه لئلا يتوهم من سماع كلامه تعالى التشبيه بما للبشر أو طلب منه عليه السلام لذلك .

وجوز أن يكون تعجيباً صادراً منه عليه السلام بتقدير القول أي وقال سبحان الله الخ ، وقال السدي : هو من كلام موسى عليه السلام قاله لما سمع النداء من الشجرة تنزيهاً لله تعالى عن سمات المحدثين ، وكأنه على تقدير القول أيضاً ، وجعل المقدر عطفاً على { نُودِىَ } . وقال ابن شجرة : هو من كلام الله تعالى ومعناه وبورك من سبح الله تعالى رب العالمين » وهذا بعيد من دلالة اللفظ جداً ، وقيل : هو خطاب لنبينا صلى الله عليه وسلم مراد به التنزيه وجعل معترضاً بين ما تقدم .