فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَنۢ بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (8)

{ فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين8 }

فلما اقترب موسى من النار نودي : البركات الكثيرة والخير العظيم لمن في النار ومن حول النار ، وتنزه المعبود بحق ولي الخلائق ومصلحها .

[ ذهب جماعة إلى أن في الكلام مضافا مقدرا في الموضعين أي من في مكان النار ومن حول مكانها . . . واستغنى بعضهم عن تقدير المضاف بجعل الظرفية مجازا عن القرب التام . . ]{[2828]} نقل ابن كثير عن ابن عباس وغيره : لم تكن نارا وإنما كانت نورا ، تتوهج اه .

يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : . . وقول ثالث قاله ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير : قدس من في النار وهو الله سبحانه وتعالى ، عنى به نفسه تقدس وتعالى . قال ابن عباس ومحمد بن كعب : النار نور الله عز وجل ، نادى الله موسى وهو في النور ، وتأويل هذا أن موسى عليه السلام رأى نورا عظيما فظنه نارا ، وهذا لأن الله تعالى ظهر لموسى بآياته وكلامه من النار لا أنه يتحيز في جهة : ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله . . ){[2829]} لا أنه يتحيز فيهما ، ولكن يظهر في كل فعل فيعلم به وجود الفاعل . . قلت : ومما يدل على صحة قول ابن عباس ما أخرجه مسلم في صحيحه وابن ماجة في سننه واللفظ له عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه حجابه النور لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره " ثم قرأ أبو عبيدة{ أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين } . . . قال أبو عبيد : يقال السبحات إنها جلال وجهه . . وقوله : " لو كشفها " يعني لو رفع الحجاب عن أعينهم ولم يثبتهم لرؤيته لاحترقوا . . اه{[2830]}


[2828]:أورده الألوسي جـ 19 ص 160.
[2829]:سورة الزخرف. من الآية 84.
[2830]:الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي. جـ 13 ص 158، 159. طبعة دار الكتب المصرية.