النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَنۢ بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (8)

قوله تعالى { فَلَمَّا جَاءَهَا } يعني ظن أنها نار ، وهي نور ، قال وهب بن منبه : فلما رأى موسى النار وقف قريباً منها فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها العليق ، لا تزداد النار إلا تضرماً وعظماً ، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة وحسناً فعجب منها ودنا وأهوى إليها بضغث في يده ليقتبس منها فمالت إليه فخافها فتأخر عنها ، ثم لم تزل تطمعه ويطمع فيها إلى أن وضع أمْرها على أنها مأمورة ولا يدري من أمرها ، إلى أن :

{ نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } .

وفي { بُورِكَ } ثلاثة أوجه :

أحدها : يعني قُدِّس ، قاله ابن عباس .

الثاني : تبارك ، حكاه النقاش .

الثالث : البركة في النار ، حكاه ابن شجرة ، وأنشد لعبد الله بن الزبير :

فبورك في بنيك وفي بنيهم *** إذا ذكروا ونحن لك الفداء

وفي النار وجهان :

أحدهما : أنها نار فيها نور .

الثاني : أنها نور ليس فيها نار ، وهو قول الجمهور .

وفي { بُورِكَ مَن فِي النَّارِ } خمسة أقاويل :

أحدها : بوركت النار ، و { مَن } زيادة ، وهي في مصحف أُبي : { بُورِكَتِ النَّارُ وَمَن حَوْلَهَا } ، قاله مجاهد .

الثاني : بورك النور الذي في النار ، قاله ابن عيسى .

الثالث : بورك الله الذي في النور ، قاله عكرمة وابن جبير .

الرابع : أنهم الملائكة ، قاله السدي .

الخامس : الشجرة لأن النار اشتعلت فيها وهي خضراء لا تحترق .

وفي قوله : { وَمَن حَوْلَهَا } وجهان :

أحدهما : الملائكة ، قاله ابن عباس .

الثاني : موسى ، قالها أبو صخر .

{ وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } فيه وجهان :

أحدهما : أن موسى قال حين فرغ من سماع النداء من قول الله : { سبْحَانِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } استعانة بالله وتنزيهاً له ، قاله السدي .

الثاني : أن هذا من قول الله ومعناه : وبورك فيمن يسبح الله رب العالمين ، حكاه ابن شجرة . ويكون هذا من جملة الكلام الذي نودي به موسى .

وفي ذلك الكلام قولان :

أحدهما : أنه كلام الله تعالى من السماء عند الشجرة وهو قول السدي .

قال وهب بن منبه : ثم لم يمس موسى امرأة بعدما كلمه ربه .

والثاني : أن الله خلق في الشجرة كلاماً خرج منها حتى سمعه موسى ، حكاه النقاش .