{ فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } أي بورك من في مكان النار ومن حول مكانها . ومكانها البقعة التي حصلت فيها . وتدل عليه قراءة أبي { تباركت الأرض ومن حولها } وعنه : بوركت النار . والذي بوركت له البقعة ، وبورك من فيها وحواليها ، حدوث أمر ديني فيها ، وهو تكليم الله موسى ، واستنباؤه له ، وإظهار المعجزات عليه . ورب خير يتجدد في بعض البقاع ، فينشر الله بركة ذلك الخير في أقاصيها ويبث آثار يمنه في أباعدها . فكيف بمثل هذا الأمر العظيم الذي جرى في تلك البقعة المباركة ؟ كذا في ( الكشاف ) .
وقال السمين : ( بارك ) يتعدى بنفسه . فلذلك بني للمفعول : باركك الله ، وبارك عليك ، وبارك فيك وبارك لك . والمراد ب ( من ) إما الباري تعالى وهو على حذف مضاف ، أي من قدرته وسلطانه في النار . وقيل : المراد به موسى والملائكة . وكذلك قوله : { ومن حولها } وقيل المراد ب ( من ) غير العقلاء . وهو النور والأمكنة التي حولها . انتهى .
ولذا قال الزمخشري : والظاهر أنه عام في كل مكان في تلك الأرض وفي ذلك الوادي وحواليهما من أرض الشام . قال : ولقد جعل الله أرض الشام بالبركات موسومة في قوله {[5960]} : { ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين } وحقت أن تكون كذلك . فهي مبعث الأنبياء صلوات الله عليهم ، ومهبط الوحي إليهم ، وكفاتهم أحياء وأمواتا .
ثم قال : ومعنى ابتداء خطاب الله موسى بذلك عند مجيئه ، هي بشارة له بأنه قد قضى أمر عظيم تنتشر منه في أرض الشام كلها البركة . انتهى .
وقال القرطبي : هذا تحية من الله تعالى لموسى ، وتكرمة له . كما حيا إبراهيم على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا {[5961]} : { رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت } .
وعن ابن عباس : ( لم تكن النار نارا ، وإنما كانت نورا يتوهج ) .
وعنه : ( هي نور رب العالمين ) .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عبيدة عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه . ويرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل . حجابه النور أو النار . لو كشفه لأحرقت سبحات وجه كل شيء أدركه بصره ) ثم قرأ أبو عبيدة : ( أن بورك من في النار ومن حولها ) .
قال ابن كثير : وأصل الحديث مخرج في ( صحيح مسلم ) {[5962]}من حديث عمرو بن مرة { وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } أي الذي يفعل ما يشاء ، ولا يشبهه شيء من مخلوقاته ، ولا يحيط به شيء من مصنوعاته ، وهو العلي العظيم المباين لجميع المخلوقات ، ولا يكتنفه الأرض والسماوات بل هو الأحد الصمد المنزه عن مماثلة المحدثات . قاله ابن كثير .
وقد أفاد أن المقام اقتضى التنزيه ، دفعا لإيهام ما لا يليق من التشبيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.