التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُواْ وَلَن تَفۡعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُۖ أُعِدَّتۡ لِلۡكَٰفِرِينَ} (24)

قوله : ( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ( تتضمن الآية شرطا وجوابه ، فجملة الشرط منفية ، والجواب ما اقترنت به الفاء وذلك في قوله ( فاتقوا النار . . . ( .

والآية تنطوي على التحدي للمشركين : إن كانوا يستطيعون اصطناع مثل هذا الكلام العظيم ، والآية كذلك تتضمن مسبقا حقيقة عجزهم عن هذا الاصطناع .

وعلى ذلك فالجملة الفعلية المنفية الأولى تفيد الحال ، أما الجملة الفعلية المنفية وهي الواقعة في جواب الشرط فإنها تفيد الاستقبال ، وهي لا جرم أن تكون آكد في التحدي وأبلغ في التأثير والاستثارة بما يدفع المشركين لبذل المزيد من الجهد كيما يأتوا بمثل هذا القرآن إن استطاعوا ، ولكنهم لن يستطيعوا مهما بذلوا من عناء التكلف ، ذلك هو الحكم الفصل الذي انطوت عليه الآية ليعلم كل من يبتغي العلم أن أحدا من البشر لن يقوى في يوم من الأيام على اصطناع مثل هذا القرآن أو بعضه ، والحكم الفصل في قوله : ( ولن تفعلوا ( يرسخ حقيقة الإعجاز للقرآن .

وبعد هذا التأكيد المسبق الحاسم على إخفاق أية محاولة لاصطناع مثل القرآن فإن الله جلت قدرته يحذر من النار الحارقة التي يتعذب بها الجاحدون لأنعم الله المنكرون لكتابه الحكيم ، وذلك في قوله : ( فاتقوا النار ( أي اتخذوا من طاعة الله ومجانية نواهيه ومعاصيه وقاية تحتمون بها من حريق النار وما فيها من عذاب أليم لا يطاق .

ويزداد القلب هلعا وارتجافا لدى إدراك المرء أن وقود النار من الناس والحجارة ، فيا لهول المشهد الذي يثير في النفس الوجل والترويع إنه مشهد يبعث على الصحو في تبكير كيلا تتعاقب الأيام والسنون ثم يفوت الأوان وتذهب الفرصة التي تتاح للمرء فيها أن يتوب ويعمل صالحا .

وفي اجتماع الناس والحجارة في النار أكثر من مدلول ، فإن من جملة ذلك : أن يستوي الإنسان الجاحد ليكونا معا في النار ، فهما عنصران سيان يلتقيان في الحريق بلا اعتبار أو حساب ، إنهما الحجر الأصم ، والإنسان التائه الصفيق الذي قارف ما لم يقارفه حجر ولا بهيمة .

ومن جملة ذلك أيضا : أن يشتد عذاب الكافرين في النار وهم تمسهم الحجارة الحامية مما يضيف إلى الأجساد المصطلية لهيبا واضطراما ، وقد ورد في المقصود بالحجارة هنا أنها مصنوعة من الكبريت الأسود وهو شديد الاشتعال ، وسواء كانت هي الحجارة المعروفة أمن أنها من الكبريت فإن المقصود الأهم هو بعث التحريق واللهب على نحو أشد لكي يذوق الكافرون والملحدون والمكذبون أقسى النكال الذي تتقاحم فيه أبدانهم وجلودهم وهم يحترقون في النار .

قوله : ( أعدت للكافرين ( أي أن هذه النار قد هيئت وتم رصدها للكافرين ، ويدل ظاهر هذه العبارة على أن النار موجودة أصلا في هذا الزمان وفي سوابق الزمان ، وذلك الذي عليه جمهرة أهل العلم من مفسرين ومحدثين ، وثمة قول آخر وهو أن النار لم تخلق بعد وأن عملية الخلق كائنة يوم القيامة ولا يعز شيء من ذلك على الله .

وفي تقديري أن هذا القول مرجوح وأن ما عليه جمهور أهل العلم هو الصواب .