فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُواْ وَلَن تَفۡعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُۖ أُعِدَّتۡ لِلۡكَٰفِرِينَ} (24)

{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا } يعني فيما مضى { وَلَن تَفْعَلُوا } أي : تطيقوا ذلك ، فيما يأتي ، وتبين لكم عجزكم عن المعارضة { فاتقوا النار } بالإيمان بالله ، وكتبه ، ورسله ، والقيام بفرائضه ، واجتناب مناهيه ، وعبر عن الإتيان بالفعل ، لأن الإتيان فعل من الأفعال لقصد الاختصار ، وجملة { لن تفعلوا } لا محل لها من الإعراب ، لأنها اعتراضية ، و " لن " للنفي المؤكد لما دخلت عليه ، وهذا من الغيوب التي أخبر بها القرآن قبل وقوعها ؛ لأنها لم تقع المعارضة من أحد من الكفرة في أيام النبوّة ، وفيما بعدها ، وإلى الآن . والوَقُود بالفتح : الحطب ، وبالضم : التوقد أي : المصدر ، وقد جاء فيه الفتح . والمراد بالحجارة الأصنام التي كانوا يعبدونها ؛ لأنهم قرنوا أنفسهم بها في الدنيا ، فجعلت وقوداً للنار معهم .

ويدل على هذا قوله تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] أي : حطب جهنم . وقيل المراد بها حجارة الكبريت ، وفي هذا من التهويل مالا يقدّر قدره من كون هذه النار تتقد بالناس ، والحجارة ، فأوقدت بنفس ما يراد إحراقه بها .

والمراد بقوله : { أُعِدَّتْ } جعلت عدّة لعذابهم ، وهيئت لذلك . وقد كرّر الله سبحانه تحدّي الكفار بهذا في مواضع في القرآن ، منها هذا ، ومنها قوله تعالى في سورة القصص : { قُلْ فَاتُوا بكتاب منْ عِندِ الله هُوَ أهدى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صادقين } [ القصص : 49 ] وقال في سورة سبحان : { قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَاتُوا بِمِثْلِ هذا القرءان لاَ يَاتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [ الإسراء : 88 ] وقال في سورة هود : { أَمْ يَقُولُونَ افتراه قُلْ فَاتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وادعوا مَنِ استطعتم من دُونِ الله إِن كُنتُمْ صادقين } [ هود : 13 ] وقال في سورة يونس : { وَمَا كَانَ هذا القرءان أَن يُفْتَرِى مِن دُونِ الله ولكن تَصْدِيقَ الذى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبّ العالمين * أَمْ يَقُولُونَ افتراه قُلْ فَاتُوا بِسُورَةٍ مثْلِهِ وادعوا مَنِ استطعتم من دُونِ الله إِن كُنتُمْ صادقين } [ يونس : 37 - 38 ] .

وقد وقع الخلاف بين أهل العلم هل وجه الإعجاز في القرآن هو : كونه في الرتبة العلية من البلاغة الخارجة عن طوق البشر ، أو كان العجز عن المعارضة للصرفة من الله سبحانه لهم عن أن يعارضوه ، والحق الأول ، والكلام في هذا مبسوط في مواطنه .

/خ24