فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمۡ وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلٗا} (142)

{ إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم } ولا شك أن الله لا يخادع ، فإنه العالم بالسرائر والضمائر ، ولكن المنافقين لجهلهم وقلة علمهم وعقلهم ، يعتقدون أن أمرهم- كما راج عند الناس وجرت عليهم أحكام الشريعة ظاهرا- فكذلك يكون حكمهم عند الله يوم القيامة ، وأن أمرهم يروج عنده ، كما أخبر تعالى عنهم أنهم يوم القيامة يحلفون له أنهم كانوا على الاستقامة والسداد ، ويعتقدون أن ذلك نافع لهم عنده ، كما قال تعالى : ( يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم . . ) الآية ( {[1577]} ) ، وقوله { وهو خادعهم } أي : هو الذي يستدرجهم في طغيانهم وضلالهم ويخذلهم عن الحق والوصول إليه في الدنيا ، وكذلك يوم القيامة ، كما قال تعالى : ( يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم-إلى قوله وبئس المصير ) ( {[1578]} ) ، وقد ورد في الحديث : " مَن سمع سمع الله به ومن رايا ريا الله به " ، . . . { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى } الآية ، هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها ، وهي : الصلاة ، إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها ، لأنهم لا نية لهم فيها ، ولا إيمان لهم بها ، . . ولا يعقلون معناها ، . . . . ثم ذكر تعالى صفة بواطنهم الفاسدة ، فقال : { يراءون الناس } أي : لا إخلاص لهم ولا معاملة مع الله ، بل إنما يشهدون الناس تقية لهم ومصانعة ، ولهذا يتخلفون كثيرا عن الصلاة التي لا يُرون فيها غالبا ، كصلاة العشاء في وقت العتمة ، وصلاة الصبح في وقت الغلس ، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال ومعهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار " ، . . . . { ولا يذكرون الله إلا قليلا } أي : في صلاتهم لا يخشعون ، ولا يدرون ما يقولون ، بل هم في صلاتهم ساهون لاهون ، وعما يراد بهم من الخير معرضون ، . . . .


[1577]:من سورة هود المجادلة. من الآية 18، وتمامها(يحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون).
[1578]:من سورة الحديد. من الآية13، وتمامها:(..قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب).