إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمۡ وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلٗا} (142)

{ إِنَّ المنافقين يخادعون الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ } كلام مبتدأٌ سيق لبيان طرفٍ آخرَ من قبائح أعمالِهم أي يفعلون ما يفعل المخادِعُ من إظهار الإيمانِ وإبطانِ نقيضِه والله فاعلٌ بهم ما يفعل الغالبُ في الخدّاع حيث تركهم في الدنيا معصومي الدماء والأموالِ وأعد لهم في الآخرة الدركَ الأسفلَ من النار ، وقد مر التحقيقُ في صدر سورة البقرةِ ، وقيل : يُعطَوْن على الصراط نوراً كما يعطى المؤمنون فيمضون بنورهم ثم يُطفأ نورُهم ويبقى نورُ المؤمنين فينادون انظُرونا نقتبِسْ من نوركم . { وإذا قَامُوا إلَى الصَّلاةِ قَامُوا كسالى } متثاقلين كالمكره على الفعل ، وقرئ بفتح الكاف وهما جَمْعا كَسْلانَ { يُرَاءونَ الناس } ليحسَبوهم مؤمنين والمراءاةُ مفاعلة بمعنى التفعيل كنَعِم وناعم أو للمقابلة فإن المرائيَ يُري غيرَه عملَه وهو يُريه استحسانَه ، والجملةُ إما استئنافٌ مبني على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل : فماذا يريدون بقيامهم إليها كُسالى ؟ فقيل : يراءون الخ ، أو حالٌ من ضمير قاموا { وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلاً } عطف على يراءون أي لا يذكرونه سبحانه إلا ذكراً قليلاً وهو ذكرُهم باللسان فإنه بالإضافة إلى الذكر بالقلب قليلٌ أو إلا زماناً قليلاً أو لا يصلّون إلا قليلاً لأنهم لا يصلّون إلا بمرأى من الناس وذلك قليلٌ ، وقيل : لا يذكرونه تعالى في الصلاة إلا قليلاً عند التكبيرِ والتسليمِ .