الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمۡ وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلٗا} (142)

قوله : ( اِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ ) الآية [ 142 ] .

معنى الآية أن المنافقين يخادعون الله بإحرازهم( {[13865]} ) لإيمانهم دماءهم وأموالهم( {[13866]} ) ، ( وَهُوَ خَادِعُهُمْ )( {[13867]} ) هو ما حكم( {[13868]} ) فيهم من منع( {[13869]} ) دمائهم وأموالهم بما ظهر من إيمانهم مع علمه بباطن اعتقادهم استدراجاً للانتقام( {[13870]} ) منهم في الآخرة( {[13871]} ) .

وقال السدي : ( وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) يعطيهم الله يوم القيامة نوراً يمشون به مع المؤمنين كما كان معهم في الدنيا إيمان يمنع من دمائهم ثم يسلبهم ذلك النور فيطفئه ، فيقومون في ظلمتهم ويضرب بينهم بسور( {[13872]} ) .

وقال ابن جريج : إخداع الله لهم هو ما ذكر من قولهم ( انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ )( {[13873]} ) .

وقال الحسن : يلقى على كل مؤمن ومنافق نور يمشون به حتى إذا انتهوا إلى الصراط طفئ( {[13874]} ) نور( {[13875]} ) المنافقين ومضى المؤمنون بنورهم فينادونهم .

( انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ ) ألم نكن معكم في المسجد والحج والغزو ؟

( قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمُ أَنفُسَكُمْ ) باعتقادكم خلاف ما أظهرتم ( وَتَرَبَّصْتُمْ ) عن التوبة ( وَارْتَبْتُمْ ) أي : شككتم في رسول الله صلى الله عليه وسلم وثواب الله عز وجل وعقابه سبحانه .

قال الحسن : فتلك خديعة الله إياهم .

وقيل : المعنى : يُخادعون أولياء الله وهو أنهم يظهرون خلاف ما يبطنون( {[13876]} ) ( وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) أي معاقبهم ، وسمي الثاني خداعاً لأنه مجازاة للأول( {[13877]} ) ، وقيل : لازدواج( {[13878]} ) الكلام( {[13879]} ) .

وقيل : معنى : ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ ) أي نبيه صلى الله عليه وسلم لأن من خادع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد خادع الله سبحانه كما قال ( إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ )( {[13880]} ) .

قوله : ( وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى ) الآية [ 141-142 ] .

هذا إعلام من الله تعالى أن المنافقين لا يعملون شيئاً من الفروض إلا رياء ، وإبقاء على [ أنفسهم ، فهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ، إذ ليست عندهم بفرض . إنما يقومون للناس ]( {[13881]} ) رياء إذ لا يرجون( {[13882]} ) ثواباً ، ولا يخافون عقاباً .

ثم يقال : ( وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ) أي إلا ذكراً قليلاً .

والمعنى : أنهم يذكرون الله رياء( {[13883]} ) لا ذكر مؤمن موقن بتوحيد الله عز وجل فلذلك سمي قليلاً ، إذ هو غير مقصود به الله سبحانه ، وما عنده تعالى ، فمن أجل هذا وصف بالقلة ، مع أنه ليس في ذكر الله عز وجل قليل ، إنما قل من أجل اعتقادهم لا من أجل قلة ذكرهم( {[13884]} ) .

قال الحسن : إنما قل لأنه كان لغير الله سبحانه( {[13885]} ) .

وقال علي رضي الله عنه : ما قل عمل مع تقوى ، وكيف يقل ما يتقبل ! يريد قوله ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )( {[13886]} ) فمن تقبل شيء من عمله ، فهو من المتقين ، ومن كان من المتقين فهو من أهل الجنة ، يقول الله : ( اِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ )( {[13887]} ) .


[13865]:- (ج) (د): بإبرازهم بإظهارهم إيمانهم.
[13866]:- كذا... وفي العبارة غموض، وعبارة الطبري: بإحرازهم بنفاقهم دماءهم وأموالهم، جامع البيان 5/334.
[13867]:- (أ): وهذا.
[13868]:- (أ): نكح.
[13869]:- (أ): مانع.
[13870]:- (د): للاتباع.
[13871]:- انظر: هذا التوجيه في جامع البيان 5/334.
[13872]:- انظر: جامع البيان 5/438.
[13873]:- الحديد آية 13. انظر: جامع البيان 5/438.
[13874]:- (د): كفئ.
[13875]:- (أ): نار.
[13876]:- انظر: جامع البيان 5/334-335.
[13877]:- (ج): الأول.
[13878]:- (د): الازدواج.
[13879]:- يقصد بازدواج الكلام توافق آخر الكلمات في النطق. انظر: مفتاح العلوم: 431، والإيضاح للقزويني: 497، والبلاغة القرآنية: 497.
[13880]:- الفتح: آية 10.
[13881]:- ساقط من (أ).
[13882]:- (د): لا يربحون.
[13883]:- (د): يذكرون الله إلا قليلاً رياء.
[13884]:- انظر: هذا التوجيه في جامع البيان 5/335.
[13885]:- انظر: جامع البيان 5/335.
[13886]:- المائدة آية 29.
[13887]:- القمر آية 54.