مكية إلا قوله : { ولا يزال الذين كفروا } ، وقوله : { ويقول الذين كفروا لست مرسلاً } ، وهي ثلاث وأربعون آية .
{ المر } قال ابن عباس : معناه : أنا الله أعلم وأرى ، { تلك آيات الكتاب } ، يعني : تلك الأخبار التي قصصتها عليك آيات التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة ، { والذي أنزل إليك } ، يعني : وهذا القرآن الذي أنزل إليك ، { من ربك الحق } ، أي : هو الحق فاعتصم به . فيكون محل " الذي " رفعا على الابتداء ، و " الحق " خبره . وقيل : محله خفض ، يعني : تلك آيات الكتاب وآيات الذي أنزل إليك ، ثم ابتدأ : " الحق " ، يعني : ذلك الحق . وقال ابن عباس : أراد بالكتاب القرآن ، ومعناه : هذه آيات الكتاب ، يعني القرآن ، ثم قال : وهذا القرآن الذي أنزل إليك من ربك هو الحق . { ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } ، قال مقاتل : نزلت في مشركي مكة حين قالوا : إن محمدا يقوله من تلقاء نفسه ، فرد قولهم .
هكذا سميت من عهد السلف . وذلك يدل على أنها مسماة بذلك من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم يختلفوا في اسمها .
وإنما سميت بإضافتها إلى الرعد لورود ذكر الرعد فيها بقوله تعالى { ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق } . فسميت بالرعد لأن الرعد لم يذكر في سورة مثل هذه السورة ، فإن هذه السورة مكية كلها أو معظمها . وإنما ذكر الرعد في سورة البقرة وهي نزلت بالمدينة وإذا كانت آيات { هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا } إلى قوله { وهو شديد المحال } مما نزل بالمدينة ، كما سيأتي تعين أن ذلك نزل قبل نزول سورة البقرة .
وهذه السورة مكية في قول مجاهد وروايته عن ابن عباس ورواية علي بن أبي طلحة وسعيد بن جبير عنه وهو قول قتادة . وعن أبي بشر قال : سألت سعيد ابن جبير عن قوله تعالى { ومن عنده علم الكتاب } أي في آخر سورة الرعد أهو عبد الله بن سلام? فقال : كيف وهذه سورة مكية ، وعن ابن جريج وقتادة في رواية عنه وعن ابن عباس أيضا : أنها مدنية ، وهو عن عكرمة والحسن البصري ، وعن عطاء عن ابن عباس . وجمع السيوطي وغيره بين الروايات بأنها مكية إلا آيات منها نزلت بالمدينة يعني قوله { هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا } إلى قوله { شديد المحال } وقوله { قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب } . قال ابن عطيه : والظاهر أن المدني فيها كثير ، وكل ما نزل في شأن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة فهو مدني .
وأقول أشبه آياتها بأن يكون مدنيا قوله { أو لم يروا إنا نأتي الأرض تنقصها من أطرافها } كما ستعلمه ، وقوله تعالى { كذلك أرسلناك في أمة } إلى { وإليه متاب } ، فقد قال مقاتل وابن جريج : نزلت في صلح الحديبية كما سيأتي عند تفسيرها .
ومعانيها جارية على أسلوب معاني القرآن المكي من الاستدلال على الوحدانية وتفريع المشركين وتهديدهم . والأسباب التي أثارت القول بأنها مدنية أخبار واهية ، وسنذكرها في مواضعها من هذا التفسير ولا مانع من أن تكون مكية . ومن آياتها نزلت بالمدينة وألحقت بها ، فإن ذلك في بعض سور القرآن ، فالذين قالوا : هي مكية لم يذكروا موقعها من ترتيب المكيات سوى أنهم ذكروها بعد سورة يوسف وذكروا بعدها سورة إبراهيم .
والذين جعلوها مدنية عدوها في النزول بعد سورة القتال وقبل سورة الرحمان وعدوها سابعة وتسعين في عداد النزول . وإذ قد كانت سورة القتال نزلت عام الحديبية أو عام الفتح تكون سورة الرعد بعدها .
وعدت آياتها ثلاثا وأربعين من الكوفيين وأربعا وأربعين في عدد المدنيين وخمسا وأربعين عند الشام .
أقيمت هذه السورة على أساس إثبات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أوحي إليه من إفراد الله بالإلهية والبعث وإبطال أقوال المكذبين فلذلك تكررت حكاية أقوالهم خمس مرات موزعة على السورة بدءا ونهاية .
ومهد لذلك بالتنويه بالقرآن وأنه منزل من الله ، والاستدلال على تفرده تعالى بالإلهية بدلائل خلق العالمين ونظامهما الدال على انفراده بتمام العلم والقدرة وإدماج الامتنان لما في ذلك من النعم على الناس .
ثم انتقل إلى أقوال أهل الشرك ومزاعمهم في إنكار البعث .
وتهديدهم أن يحل بهم ما حل بأمثالهم .
والتذكير بنعم الله على الناس .
وإثبات أن الله هو المستحق للعبادة دون آلهتهم .
وأن الله العالم بالخفايا وأن الأصنام لا تعلم شيئا ولا تنعم بنعمة .
والتهديد بالحوادث الجوية أن يكون منها عذاب للمكذبين كما حل بالأمم قبلهم .
والتذكير بأن الدنيا ليست دار قرار .
وبيان مكابرة المشركين في اقتراحهم مجيء الآيات على نحو مقترحاتهم .
ومقابلة ذلك بيقين المؤمنين . وما أعد الله لهم من الخير .
وأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما لقي من قومه إلا كما لقي الرسل عليهم السلام من قبله .
والثناء على فريق من أهل الكتب يؤمنون بأن القرآن منزل من عند الله .
تقدم الكلام على نظائر { المر } مما وقع في أوائل بعض السور من الحروف المقطعة .
{ تلك ءايات الكتاب والذي أزل إلي من بك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون }
القول في { تلك آيات الكتاب } كالقول في نظيره من طالعة سورة يونس .
والمشار إليه ب { تلك } هو ما سبق نزوله من القرآن قبل هذه الآية أخبر عنها بأنها آيات ، أي دلائل إعجازٍ ، ولذلك أشير إليه باسم إشارة المؤنث مراعاة لتأنيث الخبر .
وقوله : { والذي أنزل إليك من ربك الحق } يجوز أن يكون عطفاً على جملة { تلك آيات الكتاب } فيكون قوله : { والذي أنزل إليك } إظهار في مقام الإضمار . ولم يكتف بعطف خبَرٍ على خبر اسم الإشارة بل جيء بجملة كاملة مبتدئة بالموصول للتعريف بأن آيات الكتاب منزلة من عند الله لأنها لما تقرر أنها آيات استلزم ذلك أنها منزلة من عند الله ولولا أنها كذلك لما كانت آيات .
وأخبر عن الذي أنزل بأنه الحق بصيغة القصر ، أي هو الحق لا غيره من الكتب ، فالقصر إضافي بالنسبة إلى كتب معلومة عندهم مثل قصة رستم وإسفَنْديار اللتين عرفهما النضر بن الحارث . فالمقصود الردّ على المشركين الذين زعموه كأساطير الأولين ؛ أو القصرُ حقيقي ادعائي مبالغة لعدم الاعتداد بغيره من الكتب السابقة ، أي هو الحق الكامل ، لأن غيره من الكتب لم يستكمل منتهى مراد الله من الناس إذ كانت درجات موصلة إلى الدرجة العليا ، فلذلك ما جاء منها كتاب إلا ونسخ العمل به أو عيّن لأمة خَاصة « إنّ الدين عند الله الإسلام » .
ويجوز أن يكون عطف مفرد على قوله : { الكتاب } مفرد ، من باب عطف الصفة على الاسم ، مثل ما أنشد الفراء :
إلى الملك القرم وابن الهمام *** وليث الكتيبة بالمزدحم
والإتيان ب { ربك } دون اسم الجلالة للتلطف . والاستدراكُ بقوله : { ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } راجع إلى ما أفاده القصر من إبطال مساواة غيره له في الحقية إبطالاً يقتضي ارتفاع النزاع في أحقيته ، أي ولكن أكثر الناس لا يؤمنون بما دلت الأدلة على الإيمان به ، فمن أجل هذا الخلق الذميم فيهم يستمر النزاع منهم في كونه حقاً .
وابتداء السورة بهذا تنويه بما في القرآن الذي هذه السورة جزء منه مقصود به تهيئة السامع للتأمل مما سيرد عليه من الكلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.