فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{الٓمٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِۗ وَٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الرعد

قد وقع الخلاف هل هي مكية أو مدنية ؟ فروى النحاس في ناسخه عن ابن عباس أنها نزلت بمكة . وروى أبو الشيخ وابن مردويه عنه أنها نزلت بالمدينة . وممن ذهب إلى أنها مكية سعيد بن جبير والحسن وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد . وممن ذهب إلى أنها نزلت بالمدينة ابن الزبير والكلبي ومقاتل . وقول ثالث أنها مدنية إلا آيتين منها فإنهما نزلتا بمكة ، وهما قوله تعالى : { ولو أن قرآناً سيرت به الجبال } وقيل فوله : { ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة } . وقد روي هذا عن ابن عباس أيضاً وقتادة . وقد أخرج ابن أبي شيبة والمروزي في الجنائز عن جابر بن زيد قال : كان يستحب إذا حضر الميت أن يقرأ عنده سورة الرعد فإن ذلك يخفف عن الميت وإنه أهون لقبضه وأيسر لشأنه .

قوله : { المر } قد تقدّم الكلام في هذه الحروف الواقعة في أوائل السور بما يغني عن الإعادة ، وهو اسم للسورة مرفوع المحل على أنه خبر مبتدأ محذوف . أو على أنه مبتدأ خبره ما بعده ، والتقدير على الأول : هذه السورة اسمها هذا ، والإشارة بقوله : { تِلْكَ } إلى آيات هذه السورة ؛ والمراد بالكتاب السورة أي : تلك الآيات آيات السورة الكاملة العجيبة الشأن ، ويكون قوله : { والذي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ الحق } مراداً به القرآن كله ، أي : هو الحق البالغ في اتصافه بهذه الصفة ، أو تكون الإشارة بقوله : { تِلْكَ } إلى آيات القرآن جميعه على أن المراد بالكتاب جميع القرآن . ويكون قوله : { والذي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ الحق } جملة مبينة لكون هذا المنزل هو الحق . قال الفراء : { والذي } رفع بالاستئناف وخبره { الحق } ، قال : وإن شئت جعلت { الذي } خفضَا نعتاً للكتاب ، وإن كانت فيه الواو كما في قوله :

إلى الملكَ القرمِ وابن الهمامِ *** . . .

ويجوز أن يكون محل { والذي أنزل إليك } الجرّ على تقدير : وآيات الذي أنزل إليك ، فيكون الحق على هذا خبراً لمبتدأ محذوف { ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ } بهذا الحق الذي أنزله الله عليك .

/خ4