قوله تعالى : { ليس عليك هداهم } . قال الكلبي سبب نزول هذه الآية أن ناساً من المسلمين كانت لهم قرابة وأصهار في اليهود ، وكانوا ينفقون عليهم قبل أن يسلموا ، فلما أسلموا كرهوا أن ينفقوا عليهم ، وأردوهم على أن يسلموا ، وقال سعيد بن جبير : كانوا يتصدقون على فقراء أهل الذمة ، فلما كثر فقراء المسلمين ، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التصدق على المشركين . كي تحملهم الحاجة على الدخول في الإسلام فنزل قوله : ( ليس عليك هداهم ) فتمنعهم الصدقة ليدخلوا الإسلام حاجة منهم إليها .
قوله تعالى : { ولكن الله يهدي من يشاء } . وأراد به هداية التوفيق ، أما هدى البيان والدعوة فكان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطوهم بعد نزول الآية .
قوله تعالى : { وما تنفقوا من خير } . أي مال .
قوله تعالى : { فلأنفسكم } . أي تنفقونه لأنفسكم .
قوله تعالى : { وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله } . لفظه جحد ، ومعناه نهي : أي لا تنفقوا إلا ابتغاء وجه الله .
قوله تعالى : { وما تنفقوا من خير } . شرط كالأول ولذلك حذف النون منهما .
قوله تعالى : { يوف إليكم } . أي يوفر لكم جزاؤه ، ومعناه : يؤدي إليكم ، ولذلك أدخل فيه إلى .
قوله تعالى : { وأنتم لا تظلمون } . لا تنقصون من ثواب أعمالكم شيئاً ، وهذا في صدقة التطوع ، أباح الله تعالى أن توضع في أهل الإسلام وأهل الذمة ، فأما الصدقة المفروضة فلا يجوز وضعها إلا في المسلمين ، وهم أهل السهمان المذكورون في سورة التوبة .
قال أبو عبد الرحمن النسائي : أخبرنا محمد بن عبد الله{[4509]} بن عبد الرحيم ، أخبرنا{[4510]} الفِرْيَابي ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين فسألوا ، فرخص لهم ، فنزلت هذه الآية : { لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ }{[4511]} .
وكذا رواه أبو حذيفة ، وابن المبارك ، وأبو أحمد الزبيري ، وأبو داود الحَفَري ، عن سفيان - وهو الثوري - به .
وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا{[4512]} أحمد بن القاسم بن عطية ، حدثني أحمد بن عبد الرحمن - يعني الدَّشْتَكِيّ - حدثني أبي ، عن أبيه ، حدثنا أشعث بن إسحاق ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان يأمر بألا يتصَدق إلا على أهل الإسلام ، حتى نزلت هذه الآية : { لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } إلى آخرها ، فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين{[4513]} . وسيأتي عند قوله تعالى : { لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُم } الآية [ الممتحنة : 8 ] حديث أسماء بنت الصديق في ذلك [ إن شاء الله تعالى ]{[4514]} .
وقوله : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأنْفُسِكُم } كقوله { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِه } [ فصلت : 46 ، الجاثية : 15 ] ونظائرها في القرآن كثيرة{[4515]} .
وقوله : { وَمَا تُنْفِقُونَ إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ } قال الحسن البصري : نفقة المؤمن لنفسه ، ولا ينفق المؤمن - إذا أنفق - إلا ابتغاء وجه الله .
وقال عطاء الخراساني : يعني إذا أعطيت لوجه الله ، فلا عليك ما كان عملُه وهذا معنى حسن ، وحاصله أن المتصدق إذا تصدق ابتغاء وجه الله فقد وقع أجرُه على الله ، ولا عليه{[4516]} في نفس الأمر لمن أصاب : الِبَرّ أو فاجر أو مستحق أو غيره ، هو مثاب على قصده ، ومستَنَدُ هذا تمام الآية : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ } والحديث المخرج في الصحيحين ، من طريق أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال رجل : لأتصدقن الليلة بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية ، فأصبح الناس يتحدثون : تُصُدقَ على زانية ! فقال : اللهم لك الحمد على زانية ، لأتصدقن الليلة بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني ، فأصبحوا يتحدثون : تُصُدق الليلة على غَني ! فقال : اللهم لك الحمد على غني ، لأتصدقن الليلة بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق ، فأصبحوا يتحدثون : تُصدق الليلة على سارق ! فقال : اللهم لك الحمد على زانية ، وعلى غني ، وعلى سارق ، فأتي فقيل له : أما صدقتك فقد قبلت ؛ وأما الزانية فلعلها أن تستعف بها عن زناها ، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله ، ولعل السارق أن يستعف بها عن سرقته " {[4517]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.