السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞لَّيۡسَ عَلَيۡكَ هُدَىٰهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۗ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَلِأَنفُسِكُمۡۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ ٱللَّهِۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ} (272)

ولما منع النبيّ صلى الله عليه وسلم المسلمين من التصدّق على فقراء المشركين ، كي تحملهم الحاجة ليسلموا نزل :

{ ليس عليك هداهم } أي : لا يجب عليك أن تجعل الناس مهديين فتمنعهم الصدقة ليدخلوا في الإسلام حاجة منهم إليها ، وإنما عليك الإرشاد والحث على المحاسن والنهي عن القبائح كالمن والأذى وإنفاق الخبيث .

وقوله تعالى : { ولكن الله يهدي من يشاء } أي : هداية التوفيق صريح بأنّ الهداية من الله وبمشيئته وإنما تخص بقوم دون قوم ، أما هدى البيان فكان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطوهم بعد نزول الآية { وما تنفقوا من خير } أي : من مال .

وقوله تعالى : { فلأنفسكم } خبر لمبتدأ محذوف أي : فهي لأنفسكم ؛ لأنّ ثوابه لها فلا تمنوا به على غيركم ولا تؤذوهم بالتطاول عليهم ولا تنفقوا الخبيث .

وقوله تعالى : { وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله } عطف على ما قبله أي : وليس نفقتكم إلا ابتغاء وجه الله ، ولطلب ما عنده ، فما لكم تمنون بها وتنفقون الخبيث الذي لا يوجه مثله إلى الله تعالى { وما تنفقوا من خير يوف إليكم } ثوابه أضعافاً مضاعفة ، فلا عذر لكم في أن ترغبوا على إنفاقه وأن يكون على أحسن الوجوه وأجلها ، والجملتان تأكيد للأولى وهي وما تنفقوا من خير فلأنفسكم أو ما يخلف المنفق استجابه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهمّ اجعل لمنفق خلفاً ولممسك تلفاً ) رواه البخاري .

{ وأنتم لا تظلمون } أي : لا تنقصون من ثواب أعمالكم شيئاً تفضلاً من الله تعالى عليكم ، وهذا في صدقة التطوّع أباح الله تعالى أن توضع في أهل الإسلام وأهل الذمة وقيل : حجت أسماء بنت أبي بكر فأتتها أمها تسألها وهي مشركة فأبت أن تعطيها فنزلت .

وروى النسائي والحاكم أنّ ناساً من المسلمين كانت لهم أصهار في اليهود ورضاع ، وقد كانوا ينفقون عليهم قبل الإسلام فلما أسلموا كرهوا أن ينفقوا عليهم فنزلت . وعن بعض العلماء : لو كان المنفق عليه أشر خلق الله كان لك ثواب نفقتك . وأمّا الصدقة المفروضة فلا يجوز وضعها إلا في المسلمين أهل السهمان المذكورين في سورة التوبة ، لكن جوّز أبو حنيفة رحمه الله صرف صدقة الفطر إلى أهل الذمة .