بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞لَّيۡسَ عَلَيۡكَ هُدَىٰهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۗ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَلِأَنفُسِكُمۡۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ ٱللَّهِۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ} (272)

{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة لعمرة القضاء ، وخرجت معه أسماء بنت أبي بكر ، فجاءتها أمها قتيلة ، وجدها أبو قحافة ، فسألا منها حاجة فقالت : لا أعطيكما شيئاً حتى أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنكما لستما على ديني ، فاستأمرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَاء } ، أي يوفق من يشاء لدينه . فإن قيل قد قال في آية أخرى { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان ولكن جعلناه نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لتهدي إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ } [ الشورى : 52 ] وقال هاهنا : { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ولكن الله يَهْدِى مَن يَشَاء } أي يوفق .

قيل ما يشاء إنما أراد به هناك الدعوة . وهاهنا أراد به الهدى خاصة ، وهو التوفيق إلى الهدى .

ثم قال تعالى : { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ } يعني ما تنفقوا من مال ، فثوابه لأنفسكم إذا تصدقتم على الكفار ، أو على المسلمين .

وروي عن عمر بن الخطاب أنه رأى رجلاً من أهل الذمة ، يسأل على أبواب المسلمين فقال : ما أنصفناك أخذنا منك الجزية ما دمت شاباً ، ثم ضيعناك بعدما كبرت وضعفت ، فأمر بأن يجري عليه قوته من بيت المال .

ثم قال تعالى : { وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابتغاء وَجْهِ الله } يعني لا تنفقوا إلا ابتغاء ثواب الله { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ } أي يوف ثوابه إليكم . { وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } أي لا تنقصون من ثواب أعمالكم وصدقاتكم ، فيكون { ما } الأولى بمعنى الشرط ، و{ ما } الثانية للجحود وما الثالثة للخبر .