الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{۞لَّيۡسَ عَلَيۡكَ هُدَىٰهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۗ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَلِأَنفُسِكُمۡۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ ٱللَّهِۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ} (272)

{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } قال الكلبي : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء وكانت معه في تلك العمرة أسماء بنت أبي بكر ، فجاءتها أُمّها قتيلة وجدّتها تسألانها وهما مشركتان ، فقالت : لا أعطيكما شيئاً حتّى أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّكما لستما على ديني ، فاستأمرته في ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية أن تتصدّق عليهما فأعطتهما ووصلتهما .

قال الكلبي : ولها وجه آخر وذلك إنّ ناساً من المسلمين كانت لهم رضاع في اليهود وكانوا يُنفقونهم قبل أن يسلموا فلما أسلموا كرهوا أن يُنفقونهم وأرادوهم أن يُسلموا ، فأستأمروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية فأعطوهم بعد نزولها .

وقال سعيد بن جبير : " كانوا يتصدّقون على فقراء أهل الذمّة ، فلما كثر فقراء المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتصدّقوا إلاّ على أهل دينكم " فأنزل الله : { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } فتمنعهم الصدقة ليدخلوا في الإسلام حاجة منهم إليها . { وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } وأراد بالهدى : التوفيق والتعريف ؛ لأنّه كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم هدى البيان والدعوة .

وعن عمر بن عبد العزيز قال : بلغني أن عمر بن الخطاب رأى رجلاً من أهل الذمّة يسأل على أبواب المسلمين فقال : ما أنصفناك يأخذوا منك الجزية ما دمت شاباً ثم ضيّعناك اليوم ، فأمر أن تجرى علية قوته من بيت المال . { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ } شرط وجزاء ، والخير هاهنا المال { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ } شرط كالأوّل لذلك حذف النون منها [ في الموضعين ] . { يُوَفَّ إِلَيْكُمْ } جزاؤه ، كأن معناه : يؤدّى إليكم ، فكذلك أدخل إلى { وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } لا تُظلمون من ثواب أعمالكم شيئاً .

واعلم أنّ هذه الآية في صدقة التطوّع ، أباح الله أن يتصدّق المسلم على المسلم والذمّي ، فأمّا صدقة الفرض فلا يجوز إلاّ للمسلمين ، وهما أهل السهمين الذين ذكرهم الله تعالى في سورة التوبة .