قوله تعالى : { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد } .
قال ابن عباس : علم الله رسوله التواضع لئلا يزهو على خلقه ، فأمره أن يقر فيقول : إني آدمي مثلكم ، إلا أني خصصت بالوحي وأكرمني الله به ، يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد لا شريك له . { فمن كان يرجو لقاء ربه } ، أي يخاف المصير إليه . وقيل : يأمل رؤية ربه ، فالرجاء يكون بمعنى الخوف والأمل جميعاً ، قال الشاعر :
فلا كل ما ترجو من الخير كائن *** ولا كل ما ترجو من الشر واقع
فجمع بين المعنيين . { فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } أي : لا يرائي بعمله .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنبأنا أبو نعيم ، أنا سفيان عن سلمة ، هو ابن كهيل ، قال : سمعت جندباً يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من سمع سمع الله به ، ومن يرائي يرائي الله به " . وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، قالوا : يا رسول الله وما الشرك الأصغر ؟ قال : الرياء " .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، ثنا أبي ، ثنا شعيب قال : ثنا الليث عن أبي الهاد ، عن عمرو ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول : " إن الله تبارك وتعالى يقول : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري فأنا منه بريء ، هو للذي عمله " .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، ثنا حميد بن زنجويه ، ثنا حفص بن عمر ، ثنا همام عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد الغطفاني ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن أبي الدرداء يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال " .
وأخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، ثنا أبو جعفر الرياني ، ثنا حميد ابن زنجويه ، ثنا أبو الأسود ، ثنا ابن لهيعة عن زياد عن سهل - هو ابن معاذ - عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ أول سورة الكهف وأخرها كانت له نوراً من قدميه إلى رأسه ، ومن قرأها كلها كانت له نوراً من الأرض إلى السماء " .
وفي ظل هذا المشهد الذي يتضاءل فيه علم الإنسان ينطلق الإيقاع الثالث والأخير في السورة ، فيرسم أعلى أفق للبشرية - وهو أفق الرسالة الكاملة الشاملة . فإذا هو قريب محدود بالقياس إلى الأفق الأعلى الذي تتقاصر دونه الأبصار ، وتنحسر دونه الأنظار :
( قل : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد . فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) . .
إنه أفق الإلوهية الأسمى . . فأين هنا آفاق النبوة ، وهي - على كل حال - آفاق بشريته ?
( قل : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي . . . ) . . بشر يتلقى من ذلك الأفق الأسمى . بشر يستمد من ذلك المعين الذي لا ينضب . بشر لا يتجاوز الهدى الذي يتلقاه من مولاه . بشر يتعلم فيعلم فيعلم . . فمن كان يتطلع إلى القرب من ذلك الجوار الأسنى ، فلينتفع بما يتعلم من الرسول الذي يتلقى ، وليأخذ بالوسيلة التي لا وسيلة سواها :
( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) . .
هذا هو جواز المرور إلى ذلك اللقاء الأثير .
وهكذا تختم السورة - التي بدأت بذكر الوحي والتوحيد - بتلك الإيقاعات المتدرجة في العمق والشمول ، حتى تصل إلى نهايتها فيكون هذا الإيقاع الشامل العميق ، الذي ترتكز عليه سائر الأنغام في لحن العقيدة الكبير . .
{ قل إنما أنا بشر مثلكم } لا أدعي الإحاطة على كلماته . { يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد } وإنما تميزت عنكم بذلك . { فمن كان يرجو لقاء ربه } يؤمل حسن لقائه أو يخاف سوء لقائه . { فليعمل عملا صالحا } يرتضيه الله . { ولا يشرك بعبادة ربّه أحداً } بأن يرائيه أو يطلب منه أجراً . روي أن جندب بن زهير قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعمل العمل لله فإذا أطلع عليه سرني فقال : " إن الله لا يقبل ما شورك فيه " . فنزلت تصديقا له وعنه عليه الصلاة والسلام " اتقوا الشرك الأصغر " قالوا وما الشرك الأصغر قال " الرياء " . والآية جامعة لخلاصتي العلم والعمل وهما التوحيد والإخلاص في الطاعة .
وعن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأها عند مضجعه كان له نورا في مضجعه يتلألأ إلى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم ، فإن كان مضجعه بمكة كان له نورا يتلألأ من مضجعه إلى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يستيقظ " . وعنه عليه الصلاة والسلام " من قرأ سورة الكهف من آخرها كانت له نورا من قرنه إلى قدمه ، ومن قرأها كلها كانت له نورا من الأرض إلى السماء " .
و { إنما أنا بشر مثلكم } لم أعط إلا ما أوحي إلي وكشف لي ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي : «ينفد » بالياء من تحت ، وقرأ الباقون بالتاء ، وقوله { قل إنما أنا بشر مثلكم } المعنى : { إنما أنا بشر } ينتهي علمي إلى حيث { يوحى إلي } ومهم ما يوحى إلي ، أنما إلهكم إله واحد ، وكان كفرهم بعبادة الأصنام فلذلك خصص هذا الفصل مما أوحي إليه ، ثم أخذ في الموعظة ، والوصاة البينة الرشد ، و { يرجو } على بابها ، وقالت فرقة : { يرجو } بمعنى يخاف ، وقد تقدم القول في هذا المقصد ، فمن كان يؤمن بلقاء ربه وكل موقن بلقاء ربه ، فلا محالة أنه بحالتي خوف ورجاء ، فلو عبر بالخوف لكان المعنى تاماً على جهة التخويف والتحذير ، وإذا عبر بالرجاء فعلى جهة الإطماع وبسط النفوس إلى إحسان الله تعالى ، أي { فمن كان يرجو }
النعيم المؤبد من ربه { فليعمل } وباقي الآية بين في الشرك بالله تعالى ، وقال ابن جبير في تفسيرها لا يرائي في عمله وقد روي حديث أنها نزلت في الرياء ، حين سئل النبي صلى الله عليه وسلم عمن يجاهد ويحب أن يحمده الناس{[7911]} ، وقال معاوية بن أبي سفيان هذه آخر آية نزلت من القرآن{[7912]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.