معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ فِيمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (55)

قوله تعالى : { إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي } . اختلفوا في معنى التوفي ها هنا ، قال الحسن ، والكلبي ، وابن جريح : إني قابضك ورافعك من الدنيا إلي من غير موت يدل عليه قوله تعالى ( فلما توفيتني ) أي قبضتني إلى السماء وأنا حي ، لأن قومه إنما تنصروا بعد رفعه بعد رفعه لا بعد موته ، فعلى هذا التوفي تأويلان ، أحدهما ؛ إني رافعك إلى وافياً ، لم ينالوا منك شيئاً ، من قولهم : توفيت منه ، كذا وكذا ، واستوفيته إذا أخذته تاماً ، والآخر : أني متسلمك من قولهم : توفيت منه كذا أي تسلمته ، وقال الربيع بن انس : المراد بالتوفي النوم ، وكان عيسى قد نام فرفعه الله نائماً إلى السماء ، معناه أني منيمك ورافعك إلي ، كما قال الله تعالى ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ) أي ينيمكم ؛ وقال بعضهم : المراد بالتوفي الموت ، روى علي بن طلحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن معناه أني مميتك يدل عليه قوله تعالى ( قل يتوفاكم ملك الموت ) فعلى هذا له تأويلان : أحدهما ما قاله وهب ، توفى الله عيسى ثلاث ساعات من النهار ، ثم أحياه ، ثم رفعه الله إليه ، وقال محمد بن إسحاق : إن النصارى يزعمون أن الله تعالى توفاه سبع ساعات من النهار ثم أحياه ورفعه . والآخر ما قاله الضحاك وجماعة : إن في هذه الآية تقديماً وتأخيراً معناه إني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد إنزالك من السماء .

أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح ، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، أخبرنا علي بن الجعد ، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفس محمد بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عادلاً يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد " .

ويروى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول عيسى عليه السلام قال : " وتهلك في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ، ويهلك الدجال فيمكث في الأرض أربعين سنة ، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون " .

وقيل للحسين بن الفضل هل تجد نزول عيسى في القرآن ؟ قال نعم . قوله ( وكهلاً ) وهولم يكتهل في الدنيا ، وإنما معناه وكهلاً بعد نزوله من السماء .

قوله تعالى : { ومطهرك من الذين كفروا } أي مخرجك من بينهم ومنجيك منهم .

قوله تعالى : { وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة } . قال قتادة والربيع والشعبي ومقاتل والكلبي : هم أهل الإسلام الذين صدقوه واتبعوا دينه في التوحيد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فهم فوق الذين كفروا ظاهرين قاهرين بالعزة والمنعة والحجة ، وقال الضحاك : يعني الحواريين فوق الذين كفروا ، وقيل : هم أهل الروم ، وقيل :أراد بهم النصارى ، أي فهم فوق اليهود إلى يوم القيامة ، فإن اليهود قد ذهب ملكهم وملك النصارى دائم إلى قريب من قيام الساعة ، فعلى هذا يكون الإتباع بمعنى الادعاء والمحبة لا إتباع الدين .

قوله تعالى : { ثم إلي مرجعكم } في الآخرة .

قوله تعالى : { فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون } من الدين وأمر عيسى .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ فِيمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (55)

33

لقد أرادوا صلب عيسى - عليه السلام - وقتله . وأراد الله أن يتوفاه ، وأن يرفعه إليه ، وأن يطره من مخالطة الذين كفروا والبقاء بينهم وهم رجس ودنس ، وأن يكرمه فيجعل الذين اتبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة . . وكان ما أراده الله . وأبطل الله مكر الماكرين :

( إذ قال الله : يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ، وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ) .

فأما كيف كانت وفاته ، وكيف كان رفعه . . فهي أمور غيبية تدخل في المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله . ولا طائل وراء البحث فيها . لا في عقيدة ولا في شريعة . والذين يجرون وراءها ، ويجعلونها مادة للجدل ، ينتهي بهم الحال إلى المراء ، وإلى التخليط ، وإلى التعقيد . دون ما جزم بحقيقة ، ودون ما راحة بال في أمر موكول إلى علم الله .

وأما أن الله جعل الذين اتبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة . . فلا يصعب القول فيه . فالذين اتبعوه هم الذين يؤمنون بدين الله الصحيح . . الإسلام . . الذي عرف حقيقته كل نبي ، وجاء به كل رسول ، وآمن به كل من آمن حقا بدين الله . . وهؤلاء فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة في ميزان الله . . كما أنهم كذلك في واقع الحياة كلما واجهوا معسكر الكفر بحقيقة الإيمان ، وحقيقة الأتباع . . ودين الله واحد . وقد جاء به عيسى بن مريم كما جاء به من قبله ومن بعده كل رسول . والذين يتبعون محمدا [ ص ] هم في الوقت ذاته اتبعوا موكب الرسل كلهم . من لدن آدم - عليه السلام - إلى آخر الزمان .

وهذا المفهوم الشامل هو الذي يتفق مع سياق السورة ، ومع حقيقة الدين كما يركز عليها هذا السياق .

فأما نهاية المطاف للمؤمنين والكافرين ، فيقررها السياق في صدد إخبار الله لعيسى عليه السلام :

( ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ) .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ فِيمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (55)

اختلف المفسرون في قوله : { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } فقال قتادة وغيره : هذا من المقدم والمؤخر ، تقديره : إني رافعك إلي ومتوفيك ، يعني بعد ذلك .

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ } أي : مميتك .

وقال محمد بن إسحاق ، عمن لا يتهم ، عن وَهْب بن مُنَبِّه ، قال : توفاه الله ثلاث ساعات من النهار حين رفعه الله إليه .

قال ابن إسحاق : والنصارى يزعمون أن الله توفاه سبع ساعات ثم أحياه .

وقال إسحاق بن بشر{[5073]} عن إدريس ، عن وهب : أماته الله ثلاثة أيام ، ثم بعثه ، ثم رفعه .

وقال مطر الوراق : متوفيك من{[5074]} الدنيا وليس بوفاة موت{[5075]} وكذا قال ابن جرير : توفيه هو رفعه .

وقال الأكثرون : المراد بالوفاة هاهنا : النوم ، كما قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ [ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ]{[5076]} } [ الأنعام : 60 ] وقال تعالى : { اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ]{[5077]} } [ الزمر : 42 ] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - إذا قام من النوم - : " الْحَمْدُ لله الَّذِي أحْيَانَا بَعْدَمَا أمَاتَنَا وإلَيْهِ النُّشُورُ " ، وقال الله تعالى : { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا . وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ } إلى قوله [ تعالى ]{[5078]} { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا . بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا . وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } [ النساء : 156 - 159 ] والضمير في قوله : { قَبْلَ مَوْتِهِ } عائد على عيسى ، عليه السلام ، أي : وإن من أهل الكتاب إلا يؤمن{[5079]} بعيسى قبل موت عيسى ، وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة ، على ما سيأتي بيانه ، فحينئذ يؤمن به أهل الكتاب كلّهم ؛ لأنه يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، حدثنا الربيع بن أنس ، عن الحسن أنه قال في قوله : { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ } يعني وفاة المنام ، رفعه الله في منامه . قال الحسن : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود : " إنَّ عِيسَى لمَْ يَمُتْ ، وَإنَّه رَاجِع إلَيْكُمْ قَبْلَ يَوْمِ الْقَيامَةِ " {[5080]} .

وقوله تعالى : { وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } أي : برفعي إياك إلى السماء { وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } وهكذا وقع ؛ فإن المسيح ، عليه السلام ، لما رفعه الله إلى السماء تَفَرَّقت أصحابه شيَعًا بعده ؛ فمنهم من آمن بما بعثه الله به على أنه عبد الله ورسوله وابن أمته ، ومنهم من غلا فيه فجعله ابن الله ، وآخرون قالوا : هو الله . وآخرون قالوا : هو ثالث ثلاثة . وقد حكى الله مقالاتهم في القرآن ، ورَد على كل فريق ، فاستمروا كذلك قريبا من ثلاثمائة سنة ، ثم نَبَع لهم ملك من ملوك اليونان ، يقال له : قسطنطين ، فدخل في دين النصرانية ، قيل : حيلة ليفسده ، فإنه كان فيلسوفا ، وقيل : جهلا منه ، إلا أنه بَدل لهم دين المسيح وحرفه ، وزاد فيه ونقص منه ، ووضعت له القوانين والأمانة الكبيرة - التي هي الخيانة الحقيرة - وأحل في زمانه لحم الخنزير ، وصَلّوا له إلى المشرق{[5081]} وصوروا له الكنائس ، وزادوا في صيامهم عشرة أيام من أجل ذنب ارتكبه ، فيما يزعمون . وصار دين المسيح{[5082]} دين قسطنطين إلا أنه بنى لهم من الكنائس والمعابد والصوامع والديارت ما يزيد على اثني عشر ألف معبد ، وبنى المدينة المنسوبة إليه ، واتبعه{[5083]} الطائفة المَلْكِيَّة منهم . وهم في هذا كله قاهرون لليهود ، أيَّدهم{[5084]} الله عليهم لأنهم أقرب إلى الحق منهم ، وإن كان الجميع كفار ، عليهم لعائن الله .

فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم ، فكان من آمن به يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله على الوجه الحق - كانوا هم أتباع كُل نبي على وجه الأرض - إذ قد صدقوا الرسول النبي الأمي ، خاتم الرسل ، وسيد ولد آدم ، الذي دعاهم إلى التصديق بجميع الحق ، فكانوا{[5085]} أولى بكل نبي من أمته ، الذين يزعمون أنهم على ملّته وطريقته ، مع ما قد حَرّفوا وبدلوا .

ثم لو لم يكن شيء من ذلك لكان قد نسخ الله بشريعته{[5086]} شريعة جميع الرسل بما بعث به محمدًا صلى الله عليه وسلم من الدين الحق ، الذي لا يغير ولا يبدل إلى قيام الساعة ، ولا يزال قائما منصورًا ظاهرا على كل دين . فلهذا فتح الله لأصحابه مشارق الأرض ومغاربها ، واحتازوا{[5087]} جميع الممالك ، ودانت لهم جميعُ الدول ، وكسروا كسرى ، وقَصروا قيصر ، وسلبوهما كُنُوزَهما ، وأنفقت في سبيل الله ، كما أخبرهم بذلك نبيهم عن ربهم ، عز وجل ، في قوله : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا } الآية [ النور : 65 ] ولهذا{[5088]} لما كانوا هم المؤمنين بالمسيح حقا{[5089]} سلبوا النصارى بلاد الشام وأَجْلَوهم إلى الروم ، فلجؤوا إلى مدينتهم القسطنطينية ، ولا يزال الإسلام وأهله فوقهم إلى يوم القيامة . وقد أخبر الصادق المصدوق أمَّته بأن آخرهم سيفتحون القسطنطينية ، ويستفيؤون{[5090]} ما فيها من الأموال ، ويقتلون الروم مَقْتلة عظيمة جدا ، لم ير الناس مثلها ولا يرون بعدها نظيرها ، وقد جمعت في هذا جزءا مفردا . ولهذا قال تعالى : { وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } أي : يوم القيامة { فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } .


[5073]:في أ: "بشير".
[5074]:في أ: "في".
[5075]:في أ: "مرة".
[5076]:زيادة من جـ، ر، أ، و.
[5077]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "الآية".
[5078]:زيادة من ر، أ.
[5079]:في جـ، أ، و: "ليؤمن"، وفي ر: "فيؤمن".
[5080]:تفسير ابن أبي حاتم (2/296) ورواه الطبري في تفسيره (6/455) من طريق عبد الله بن جعفر عن أبيه عن الربيع عن الحسن به مرسلا.
[5081]:في ر: "الشرق".
[5082]:في أ: "عيسى".
[5083]:في أ: "واتبعته".
[5084]:في ر: "أيديهم".
[5085]:في جـ، أ: "وكانوا".
[5086]:في جـ: "شريعة". وفي ر: "شريعته".
[5087]:في ر، و: "واختاروا".
[5088]:في أ: "فلهذا".
[5089]:في و: "حقا بالمسيح".
[5090]:في أ: "ويستلبون".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ فِيمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (55)

قال الطبري : العامل في { إذ } قوله تعالى { ومكر الله } [ آل عمران : 54 ] وقال غيره من النحاة : العامل فعل مضمر تقديره اذكر .

قال القاضي أبو محمد : هذا هو الأصوب ، وهذا القول هو بواسطة الملك لأن عيسى ليس بمكلم ، و { عيسى } اسم أعجمي معرف فلذلك لا ينصرف وهو بالسريانية - ايسوع - عدلته العرب إلى { عيسى } واختلف المفسرون في هذا التوفي ، فقال الربيع : هي وفاة نوم ، رفعه الله في منامه ، وقال الحسن وابن جريج ومطر الوراق{[3205]} ومحمد بن جعفر بن الزبير وجماعة من العلماء : المعنى أني قابضك من الأرض ، ومحصلك فى السماء فهو توفى قبض وتحصيل ، وقال ابن عباس هى وفاة موت ، معناه أنى مميتك ، هذا لفظ ابن عباس ولم يفسر ، فقال وهب بن منبه : توفاه الله بالموت ثلاث ساعات ورفعه فيها ثم أحياه الله بعد ذلك ، عنده في السماء وفي بعض الكتب ، سبع ساعات ، وقال الفراء : هي وفاة موت ولكن المعنى ، { إني متوفيك } في آخر أمرك عند نزولك وقتلك الدجال ، ففي الكلام تقديم وتأخير ، وقال مالك في جامع العتبية : مات عيسى وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة{[3206]} ، ووقع في كتاب مكي عن قوم : أن معنى { متوفيك } متقبل عملك ، وهذا ضعيف من جهة اللفظ .

قال القاضي أبو محمد : وأجمعت الأمة على ما تضمنه الحديث المتواتر من أن عيسى عليه السلام في السماء حي ، وأنه ينزل في آخر الزمان فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويقتل الدجال ويفيض العدل ويظهر هذه الملة ملة محمد ويحج البيت ويعتمر ، ويبقى في الأرض أربعاً وعشرين سنة ، وقيل أربعين سنة ، ثم يميته الله تعالى{[3207]} .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : فقول ابن عباس رضي الله عنه : هي وفاة موت لا بد أن يتمم ، إما على قول وهب بن منبه ، وإما على قول الفراء ، وقوله تعالى : { ورافعك إليّ } عبارة عن نقله إلى علو من سفل وقوله { إلى } إضافة تشريف لما كانت سماءه والجهة المكرمة المعظمة المرجوة ، وإلا فمعلوم أن الله تعالى غير متحيز في جهة ، وقوله تعالى : { ومطهرك } حقيقة التطهير إنما هي من دنس ونحوه ، واستعمل ذلك في السب والدعاوى والآثام وخلطة الشرار ومعاشرتهم ، تشبيهاً لذلك كله بالأدناس ، فطهر الله العظيم عيسى من دعاوى الكفرة ومعاشرتهم القبيحة له ، وقوله تعالى : { وجاعل } اسم فاعل للاستقبال ، وحذف تنوينه تخفيفاً ، وهو متعد إلى مفعولين ، لأنه بمعنى مصيَّر فأحدهما { الذين } والآخرة في قوله : { فوق الذين كفروا } وقال ابن زيد : الذين اتبعوه هم النصارى والذين كفروا هم اليهود ، والآية مخبرة عن إذلال اليهود وعقوبتهم بأن النصارى فوقهم في جميع أقطار الأرض إلى يوم القيامة .

قال القاضي أبو محمد : فخصص ابن زيد المتبعين والكافرين وجعله حكماً دنيوياً لا فضيلة فيه للمتبعين الكفار منهم بل كونهم فوق اليهود عقوبة لليهود فقط ، وقال جمهور المفسرين بعموم اللفظ في المتبعين فيدخل في ذلك أمة محمد لأنها متبعة لعيسى ، نص على ذلك قتادة وغيره ، وكذلك قالوا بعموم اللفظ في الكافرين ، فمقتضى الآية إعلام عيسى عليه السلام أن أهل الإيمان به كما يجب هم فوق الذين كفروا بالحجة والبرهان وبالعزة والغلبة ، ويظهر من قول ابن جريج وغيره أن المراد المتبعون له في وقت استنصاره وهم الحواريون جعلهم الله فوق الكافرين لأنه شرفهم وأبقى لهم في الصالحين ذكراً ، فهم فوقهم بالحجة والبرهان ، وما ظهر عليهم من أمارات رضوان الله ، وقوله تعالى { ثم إليّ مرجعكم } الخطاب لعيسى ، والمراد الإخبار بالقيامة والحشر فلذلك جاء اللفظ عاماً من حيث الأمر في نفسه لا يخص عيسى وحده فكأنه قال له : { ثم إلي } ، أي إلى حكمي وعدلي ، يرجع الناس ، فخاطبه كما تخاطب الجماعة إذ هو أحدها ، وإذ هي مرادة في المعنى ، وفي قوله تعالى : { فأحكم } إلى آخر الآية ، وعد لعيسى والمؤمنين ووعيد للكافرين .


[3205]:- هو مطر بن طهمان الوراق أبو رجاء الخراساني السلمي، مولى علي، سكن البصرة وروى عن أنس وعكرمة وعطاء وحميد بن هلال وغيرهم، وعنه إبراهيم بن طهمان، وابنه هلال الراسبي، وعبد الله بن شوذب، ومعمر الدستوائي، وغيرهم، روي أن المنصور قتله (تهذيب التهذيب 10/167).
[3206]:-وأخرج ابن سعد، وأحمد في الزهد، والحاكم- عن سعيد بن المسيب قال: رفع عيسى وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. وأخرج ابن عساكر، عن وهب مثله. "فتح القدير للشوكاني" 1/315.
[3207]:- أخرجه البخاري، ومسلم، والإمام أحمد، وأبو داود، وابن جرير-عن أبي هريرة. وبوّب ابن كثير لنزوله في تفسيره عند قوله تعالى: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} الآية، والحديث ورد بطرق. وذكر في فتح القدير للشوكاني: 1/497 أنه أفرد للأحاديث الواردة في نزول عيسى عليه السلام مؤلفا مستقلا.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ فِيمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (55)

استئناف ؛ و ( إذ ) ظرف غير متعلق بشيء ، أو متعلق بمحذوف ، أي اذكُر إذ قال الله : كما تقدم في قوله : { وإذْ قال ربك للملائكة إنّي جاعل في الأرض } [ البقرة : 30 ] وهذا حكاية لأمرِ رفع المسيح وإخفائه عن أنظار أعدائه . وقدّم الله في خطابه إعلامه بذلك استئناساً له ، إذ لم يتم ما يرغبه من هداية قومه . مع العلم بأنه يحب لقاء الله ، وتبشيراً له بأنّ الله مظهر دينَه ؛ لأنّ غاية هم الرسول هو الهدى ، وإبلاغ الشريعة ، فلذلك قال له : { وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا } والنداء فيه للاستئناس ، وفي الحديث أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يقبض نبيء حتى يُخَيَّر " .

وقوله : { إني متوفيك } ظاهر معناه : إنّي مميتك ، هذا هو معنى هذا الفعل في مواقع استعماله لأنّ أصل فعل توفَّى الشيءَ أنه قَبَضه تاماً واستوفاه . فيقال : توفاه اللَّه أي قدّر موته ، ويقال : توفاه ملك الموت أي أنفذ إرادة الله بموته ، ويطلق التوفّي على النوم مجازاً بعلاقة المشابهة في نحو قوله تعالى : { وهو الذي يَتَوَفَّاكم بالليل } [ الأنعام : 60 ] وقوله { الله يتوفَّى الأنفسَ حينَ موتها والتي لم تَمُتْ في منامها فيُمْسِك التي قضى عليها الموتَ ويرسل الأخرى إلى أجل مسمّى } [ الزمر : 42 ] . أي وأما التي لم تمت الموت المعروف فيميتها في منامها موتاً شبيهاً بالموت التام كقوله : { هو الذي يتوفاكم بالليل } ثم قال { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا } فالكل إماتة في التحقيق ، وإنما فَصَل بينهما العرف والاستعمال ، ولذلك فرّع بالبيان بقوله : فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمّى ، فالكلام منتظم غاية الانتظام ، وقد اشتبه نظمه على بعض الأفهام . وأصرح من هذه الآية آية المائدة : فلمَا توفيتَني كنت أنتَ الرقيب عليهم لأنه دل على أنه قد توفّى الوفاة المعروفة التي تحول بين المرء وبين علم ما يقع في الأرض ، وحملُها على النوم بالنسبة لِعيسى لا معنى له ؛ لأنهُ إذا أراد رفعَه لم يلزم أن ينام ؛ ولأنّ النوم حينئذ وسيلة للرفع فلا ينبغي الاهتمام بذكره وترك ذكر المقصد ، فالقول بأنها بمعنى الرفع عن هذا العالم إيجاد معنى جديد للوفاة في اللغة بدون حجة ، ولذلك قال ابن عباس ، ووهب بن منبه : إنها وفاة موت وهو ظاهر قول مالك في جامع العتبية قال مالك : مات عيسى وهو ابن إحدى وثلاثين سنة قال ابن رشد في البيان والتحصيل : « يحتمل أنّ قوله : مات وهو ابن ثلاث وثلاثين على الحقيقة لا على المجاز » .

وقال الربيع : هي وفاة نوم رفعه الله في منامه ، وقال الحسن وجماعة : معناه إنّي قابضك من الأرض ، ومخلصك في السماء ، وقيل : متوفيك متقبل عملك .

والذي دعاهم إلى تأويل معنى الوفاة ما ورد في الأحاديث الصحيحة : أنّ عيسى ينزل في آخر مدّة الدنيا ، فأفهم أنّ له حياة خاصة أخصّ من حياة أرواح بقية الأنبياء ، التي هي حياة أخصّ من حياة بقية الأرواح ؛ فإنّ حياة الأرواح متفاوتة كما دلّ عليه حديث " أرواح الشهداء في حواصل طيور خضْرٍ " ورووا أنّ تأويل المعنى في هذه الآية أولى من تأويل الحديث في معنى حياته وفي نزوله ، فمنهم من تأوّل معنى الوفاة فجعله حيا بحياته الأولى ، ومنهم من أبقى الوفاة على ظاهرها ، وجعل حياته بحياة ثانية ، فقال وهب بن منبه : توفاه الله ثلاثَ ساعات ورفعه فيها ، ثم أحياه عنده في السماء . وقال بعضهم : توفّي سبع ساعات . وسكت ابن عباس ومالكٌ عن تعيين كيفية ذلك ، ولقد وُفِّقا وسُدِّدا . ويجوز أن تكون حياته كحياة سائر الأنبياء ، وأن يكون نزوله إن حمل على ظاهره بعثاً له قبل إبان البعث على وجه الخصوصية ، وقد جاء التعبير عن نزوله بلفظ « يبعث الله عيسى فيقتل الدجال » رواه مسلم عن عبد الله بن عمر ، ولا يموت بعد ذلك بل يخلص من هنالك إلى الآخرة .

وقد قيل في تأويله : إنّ عطف { ورافعك إلي } على التقديم والتأخير ؛ إذ الواو لا تفيد ترتيب الزمان أي إنّي رافعك إليّ ثم متوفيك بعد ذلك ، وليس في الكلام دلالة على أنه يموت في آخر الدهر سوى أنّ في حديث أبي هريرة في كتاب أبي داود : " ويمكث ( أي عيسى ) أربعين سنة ثم يُتوفى فيصلّي عليه المسلمون " والوجه أن يحمل قوله تعالى : { إني متوفيك } على حقيقته ، وهو الظاهر ، وأن تؤوّل الأخبار التي يفيد ظاهرها أنه حيّ على معنى حياة كرامة عند الله ، كحياة الشهداء وأقوى ، وأنه إذا حمل نزوله على ظاهره دون تأويل ، أنّ ذلك يقوم مقام البعض ، وأنّ قوله في حديث أبي هريرة ثم يتوفّى فيصلي عليه المسلمون مدرج من أبي هريرة لأنّه لم يروه غيره ممن رووا حديث نزول عيسى ، وهم جَمْع من الصحابة ، والروايات مختلفة وغير صريحة . ولم يتعرض القرآن في عدّ مزاياه إلى أنه ينزل في آخر الزمان .

والتطهير في قوله : { ومطهرك } مجازي بمعنى العصمة والتنزيه ؛ لأنّ طهارة عيسى هي هي ، ولكن لو سُلط عليه أعداؤُه لكان ذلك إهانة له .

وحذف متعلق « كفروا » لظهوره أي الذين كفروا بك وهم اليهود ، لأنّ اليهود ما كفروا بالله بل كفروا برسالة عيسى ، ولأنّ عيسى لم يبعث لغيرهم فتطهيرُه لا يظنّ أنّه تطهيرٌ من المشركين بقرينة السياق .

والفوقية في قوله : { فوق الذين كفروا } بمعنى الظهور والانتصار ، وهي فوقية دنيوية بدليل قوله : { إلى يوم القيامة } .

والمراد بالذين اتبعوه : الحواريون ومن اتبعه بعد ذلك ، إلى أن نُسخت شريعته بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم .

وجملة { ثم إليّ مرجعكم } عطف على جملة { وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا } إذ مضمون كلتا الجملتين من شأن جزاءِ اللَّهِ متّبِعي عيسى والكافرين به .

وثم للتراخي الرتبي ؛ لأنّ الجزاء الحاصل عند مرجع الناس إلى الله يوم القيامة ، مع ما يقارنه من الحكم بين الفريقين فيما اختلفوا فيه ، أعظمُ درجةً وأهم من جعل متبعي عيسى فوق الذين كفروا في الدنيا .

والظاهر أنّ هذه الجملة مما خاطب الله به عيسى ، وأنّ ضمير مرجعكم ، وما معه من ضمائر المخاطبين ، عائد إلى عيسى والذين اتبعوه والذين كفروا به .

ويجوز أن يكون خطاباً للنبيء صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، فتكون ثم للانتقال من غرض إلى غرض ، زيادة على التراخي الرتبي والتراخي الزمني .

والمَرْجعِ مصدر ميمي معناه الرجوع . وحقيقة الرجوع غير مستقيمة هنا فتعيّن أنّه رجوع مجازي ، فيجوز أن يكون المرادُ به البعثَ للحساب بعد الموت ، وإطلاقه على هذا المعنى كثير في القرآن بلفظه وبمرادفه نحو المصير ، ويجوز أن يكون مراداً به انتهاء إمهال الله إياهم في أجلٍ أراده فينفذ فيهم مراده في الدنيا .

ويجوز الجمع بين المعنيين باستعمال اللفظ في مجازيه ، وهو المناسب لجمع العذابين في قوله : { فأعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا والآخرة } وعلى الوجهين يجري تفسير حكم الله بينهم فيما هم فيه يختلفون .