الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ فِيمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (55)

قوله : ( إِنِّي مُتَوَفّيكَ ) قيل هي وفاة نوم( {[10090]} ) .

( وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ) في نوم قال ذلك الربيع( {[10091]} ) .

وقيل معناه إني قابضك( {[10092]} ) من الأرض حياً ورافعك إلي ، وذلك أن عيسى لما رأى كثرة من كذبه ، وقلة من اتبعه شكا ذلك إلى الله عز وجل فأوحى الله إليه ( إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ) .

وقال النبي عليه السلام : كيف تهلك أمة( {[10093]} ) أنا في أولها وعيسى في آخرها( {[10094]} ) .

وقال كعب( {[10095]} ) : ( يبعث )( {[10096]} ) عيسى صلى الله عليه وسلم على الأعور الدجال( {[10097]} ) فيقتله ثم يعيش بعد ذلك أربعاً وعشرين سنة ثم يموت ميتة الحي( {[10098]} ) .

وحكي أن الله تعالى أوحى ذلك إلى عيسى صلى الله عليه وسلم مع قوله : ( إِنِّي مُتَوَفّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ) .

وقال ابن زيد في قوله : ( تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْْمَهْدِ وَكَهْلاً ) أن كلامه وهو كهل حين ينزل بقتل( {[10099]} ) الدجال( {[10100]} ) .

وقيل معنى( {[10101]} ) ( مُتَوَفّيكَ ) : قابل عملك ومتقبله منك( {[10102]} ) .

وقال ابن عباس ، معنى ( مُتَوَفّيك ) هي وفاة موت ( يعني )( {[10103]} ) بعد نزوله من السماء .

وقال وهب بن منبه : توفي عيسى صلى الله عليه وسلم ثلاث ساعات ثم أحيي( {[10104]} ) ورفع( {[10105]} ) . والنصارى يزعمون( {[10106]} ) أنه توفي سبع ساعات من النهار ، ثم أحياه ورفعه( {[10107]} ) . وقيل : إن الكلام تقديماً وتأخيراً . والمعنى : إني( {[10108]} ) رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ، ومتوفيك بعد ذلك( {[10109]} ) . وذلك إذا نزل لقتل( {[10110]} ) الدجال في الدنيا ، والواو يحسن فيها ذلك( {[10111]} ) .

وروى أبو هريرة أن النبي عليه السلام قال : الأنبياء أخوات لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد ، وأنا أولى الناس بعيسى لأنه لم يكن بيني( {[10112]} ) [ وبينه ]( {[10113]} ) نبي وأنه خليفتي على أمتي ، وأنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه ، فإنه رجل مربوع الخلق ، إلى الحمرة والبياض ، سبط الشعر ، كأن شعره يقطر وإن لم يصبه بلل ، يدق الصليب ، ويقتل الخنزير ويقبض المال ، ويقاتل الناس على الإسلام حتى يهلك الله الملل كلها ، ويهلك الله في زمانه مسيح الضلالة( {[10114]} ) الكذَّاب ، وتقع في الأرض الأمنة حتى ترتع الأسد مع الإبل ، والنمور مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، ويلعب الغلمان مع الحيات( {[10115]} ) ، لا يضر بعضهم بعضاً ، يلبث في الأرض [ أربعين سنة ]( {[10116]} ) ثم يتوفى ، ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه( {[10117]} ) .

قوله : ( وَجَاعِلُ الذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الذِينَ كَفَرُوا ) : هذا خطاب لعيسى صلى الله عليه وسلم وأمته ، جعلهم الله تعالى فوق اليهود : في النصر والحجة والإيمان بعيسى والتصديق به وقول الحق فيه( {[10118]} ) .

وقيل : هو خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم( {[10119]} ) .


[10090]:- انظر: جامع البيان 3/289 والدر المنثور 2/225.
[10091]:- انظر: المصدر السابق.
[10092]:- قبض بمعنى توفي، انظر: معاني الفراء 1/219، ومعاني الزجاج 1/420، واللسان قبض 7/213.
[10093]:- (د): أمتي.
[10094]:- انظر: جامع البيان 3/290، وخرجه السيوطي عنه ولم ينسبه لغيره. انظر: الدر المنثور 2/225. قال المدقق: وهو عند الطبري تابع لحديث كعب الأحبار الذي جاء هنا بعده، فهو من حديثه.
[10095]:- كعب الأحبار اليماني توفي 32 هـ تابعي، أسلم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وروى عنه أبو هريرة وابن عباس، انظر: طبقات ابن سعد 7/445، وسير أعلام النبلاء 3/322 وتذكرة الحفاظ 1/52.
[10096]:- ساقط من (د).
[10097]:- (ج): الدجال لعنه الله.
[10098]:- انظر: جامع البيان 3/290 والدر المنثور 2/225.
[10099]:- (أ): ينزل القتل.
[10100]:- انظر: جامع البيان 3/290 والدر المنثور 2/225.
[10101]:- ج. معناه.
[10102]:- تعقبه ابن عطية بأنه ضعيف من جهة اللفظ، انظر: المحرر 3/105. ونقل أبو حيان القول والتعقيب ولم ينسبه، انظر: البحر 2/473.
[10103]:- ساقط من (د).
[10104]:- انظر: جامع البيان 3/290.
[10105]:- (أ): أوحى (ج): أحيى.
[10106]:- انظر: جامع البيان 3/291 والدر المنثور 2/225.
[10107]:- قوله: والنصارى يزعمون عزاه الطبري لابن إسحاق في جامع البيان 3/291.
[10108]:- (أ): أنا رافعك.
[10109]:- انظر: جامع البيان 3/289 وانظر: معاني الزجاج 1/420.
[10110]:- (ج): لقتال.
[10111]:- بمعنى يصح التقديم والتأخير لأن الواو لا تدل على الترتيب وإن دلت على الجمع، انظر: الكتاب 1/399-429، 4/126 والمغني لابن هشام 391.
[10112]:- (أ) و(ج): بينهم.
[10113]:- ساقط من (أ) (ج).
[10114]:- (ج): الصالة.
[10115]:- (ب): الحيوة، (ج): الحياة.
[10116]:- ساقط من (أ) (ب). انظر: جامع البيان 3/391.
[10117]:- خرجه البخاري بلفظ قريب منه في كتاب بدء الخلق باب واذكر في الكتاب مريم 4/141 ومسلم في كتاب الفضائل باب فضائل عيسى 7/96. والمعجم الصغير 1/34.
[10118]:- انظر: جامع البيان 3/292-293، وتفسير ابن كثير 1/360.
[10119]:- انظر: معاني الزجاج 1/420 وإعراب النحاس 1/337.