الآية 55 وقوله تعالى : { إذ قال الله يا عيسى إنى متوفيك } اختلف فيه : قيل : هو على التقديم والتأخير ، { ورافعك إلي } ثم { متوفيك } بعد نزولك من السماء ، ولكن هو التقديم والتأخير ، ولم يكن في الذكر ، فهو سواء ، لأنا قد ذكرنا أن ليس في تقديم الذكر ولا في تأخيره ما يوجب الحكم كذلك ، لأنه كم من متقدم في الذكر ، وهو مؤخر في الحكم ، وكم من مؤخر في [ الذكر هو مقدم في الحكم ]{[3890]} فإذا كان
[ كذلك لم يكن في تقديم ذكر الشيء ولا في تأخيره ما يدل على إيجاب الحكم كذلك ]{[3891]} كقوله : { الله يتوفى الأنفس حين موتها } فإنما هو قبض الأرواح ، يحتمل الأول كذلك ، ويحتمل توفي الجسم أي متوفيك في الدنيا أي قابضك ، وليس بوفاة موت . وعن ابن عباس رضي الله عنه : ( { إني متوفيك } أي مميتك ) وهو ما ذكرنا ليعلم أنه ليس بمعبود .
وقوله تعالى : { ورافعك إلي } هو على تعظيم عيسى عليه السلام{[3892]} ليس على ما قالت المشبهة بإثبات{[3893]} المكان له ، لأنه لو كان في قوله : { ورافعك إلي } يوجب ذلك لوجب{[3894]} أن يكون أهل الشام أقرب إليه ، لأن إبراهيم ، صلوات الله عليه ، قال : { إني ذاهب إلى ربي } [ الصادقات : 99 ] ، والكفرة إليه قريب منه كقوله : { ثم إلي مرجعكم } دل هذا أن ما قالوا خيال فاسد ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، ولكن على التبجيل والتعظيم{[3895]} ، أعني المضاف إليه . والأصل في هذا أن الخاص إذا أضيف إلى الله فإنما يراد به تعظيم ذلك الخاص نحو ما قال { بيتي } [ البقرة : 125 ] و { ناقة الله } [ الأعراف : 73 و . . ] فهو على تعظيم الناقة ، ونحوه مما يكثر وقوعه ، وإذا أضيفت إليه الجماعة فهو على إرادة تعظيم الرب ، جل ثناؤه ، ونحو { رب العالمين } [ الفاتحة : 1 ] و{ وله ملك السموات والأرض } [ البقرة : 107 ] ونحوه ، كله على إدارة تعظيم الرب ، جل ثناؤه .
قال الشيخ ، رحمه الله ، في قوله : { إني متوفيك ورافعك } يحتمل [ بوجهين :
أحدهما ]{[3891]} : توفي الموت بما يقبض روحه كفعله لجميع البشر تكذيبا لمن ظن أنه الله أو ابنه ، لا يحتمل أن يموت ، وقد لزمهم هذا أيضا بوجهين ظاهرين ، وإن كان في ما عليه خلقه وجوهره ، ثم يقلبه{[3892]} من حال إلى حال في نفسه ومكان إلى مكان في حق الفرار والحاجة كفاية لمن يعقل الحقائق وبلوغا{[3893]} لمن تأمل الأشياء عبرا :
أحدهما : بقوله : { ما المسيح ابن مريم } [ المائدة : 75 ] وقوله : { وعيسى ابن مريم } [ البقرة : 87 و . . ] حتى نطق به لسان كل منهم . ومعلوم استحالة{[3894]} ابن مريم بشرا إلها أو ولدا لإله ، هو يكون أصغر منها ، وذلك آية حدثه ، وكذلك قوله في المهد : { إني عبد الله } [ مريم : 30 ] إلى آخر ما ذكر ، مع ما لو احتمل ذلك لكان آدم عليه السلام هو الأصل ، وهو المقدم ، وهو الذي لا يعرف له والدان ، أحق أو هو إذ هو بجوهره{[3895]} ، فهو ولده لا غير ، أو ذلك وصف الأولاد ، والله أعلم .
والثاني{[3901]} : قوله : { كانا يأكلان الطعام } [ المائدة : 75 ] فأخبر عن حاجته وغلبة الجوع عليه وفقر نفسه على ما يقيمها من الأغذية ، ثم من ذلك حاجته إلى الخلاء واختياره الأمكنة القذرة لقضاء حاجته ، وبالله التوفيق .
[ والثاني : قبضه ]{[8]} بنفسه من بين أظهر أعدائه ، ورفعه إلى ما به شرفه وتطهيره مما كان يحس منهم من الكفر وأنواع الفساد ، وختمه من بين البشر على وجه آية ، يكون له عليهم من أول أحوال ظهوره إلى آخر أحواله مقامه فيهم ، ليكون أوضح لتابعيه{[9]} في الآيات ، وعلى مخالفيه في قطع العذر ، ولا قوة إلا بالله .
وقوله تعالى : { ومطهرك من الذين كفروا } قيل فيه بوجوه : قيل : { ومطهرك من } أذى الكفرة من بين أظهر المخالفين لك ، وقيل : { ومطهرك من } الكفر والفواحش ، ويحتمل { ومطهرك } مما قالوا فيك .
وقوله تعالى : { وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا } يحتمل يجعله فوق الذين كفروا بالقهر والغلبة والقتل ، ويحتمل بالحجة ، ويحتمل في المنزلة والدرجة في الآخرة ، ويحتمل { ومطهرك } بقتل الكفرة من وجه الأرض على ما ذكر في بعض القصة أنه ينزل من السماء ، فلا يبقى على وجه الأرض كافر إلا وهو يقتله مع الذين اتبعوه ، فذلك تطهيره ، وجعل الذين اتبعوه فوق الذين كفروا .
وقوله تعالى : { ثم إلي مرجعكم } ذكر هذا ، والله أعلم ، وإن كان المرجع للكل إليه في كل حال ، لأنهم يقرون ، ويعترفون في ذلك اليوم أن المرجع إليه ، وكانوا ينكرون ذلك في الدنيا ، وهو كقوله : { الملك يومئذ لله } [ الحج : 56 ] الملك كان في ذلك اليوم وفي غير ذلك اليوم ، ولكن معناه : لا ينازعه أحد يومئذ في ملكه ، ويقرون له بالملك ، [ وفي ]{[3901]} الدنيا أنكروا ملكه ، وهو كقوله : { وبرزا لله جميعا } [ إبراهيم : 21 ] ، كلهم بارزون لله في كل وقت ، لكنهم أنكروا بروزهم في الدنيا له ، فيقرون يومئذ بالبروز له ، فكذلك الأول ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون } يحتمل { فأحكم بينكم } من المحق منكم ؟ ومن المبطل ؟ ويحتمل { فأحكم بينكم } أي أجزيكم على قدر أعمالكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.