{ إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك } { إذ } ظرف ل { مكر } أو لمحذوف تقديره اذكر فإذ صلة من قوله { ومكر الله } يعني ومكر الله بهم حين قال لعيسى إني متوفيك ورافعك إلي فتوفاه ورفعه إليه{[985]} . { متوفيك } قال الحسن وابن جريج معنى متوفيك قابضك ورافعك إلى السماء من غير موت . وعن الربيع بن أنس هو وفاة نوم ، قال الله تعالى { وهو الذي يتوفاكم بالليل . . }{[986]} أي ينيمكم لأن النوم أخو الموت ، وقال المولى سبحانه { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها . . }{[987]} . وعن قتادة والضحاك والفراء وغيرهم : هذا من المقدم والمؤخر لأن الواو لا توجب الرتبة والمعنى إني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد أن تنزل من السماء ، كقول الحق سبحانه { ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى }{[988]} ، والتقدير ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاما والذي صح عن الصادق المصدوق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وحسبك أن الله تعالى رفع عيسى عليه السلام إلى السماء وأنه ما قتل وما صلب وأنه باق على الحياة حتى ينزل إلى الأرض قبل قيام الساعة . روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( والله لينزلن ابن مريم حكما عادلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القلاص {[989]} فلا يسعى عليها ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد ) . وعنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء {[990]} حاجا أو معتمرا أو ليثنيهما ) ولا ينزل بشرع ينسخ شريعتنا بل يتعبد بما شرع لنا ففي صحيح مسلم{[991]} عن أبي هريرة أن الر سول صلى الله عليه وسلم قال : ( كيف أنتم إذا نزل ابن مريم وإمامكم منكم ) .
{ ورافعك إلي } مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن : أما قوله فرافعك إلي فالمشبهة تمسكوا بمثله في إثبات المكان لله وأنه في السماء لكن الدلائل القاطعة دلت على أنه متعال عن الحيز والجهة فوجب حمل هذا الظاهر على التأويل بأن المراد إلى محل كرامتي ومقر ملائكتي ، ومثله قول إبراهيم : { . . إني ذاهب إلى ربي . . }{[992]} وإنما ذهب من العراق إلى الشام وقد سمي الحجاج زوار الله والمجاورون جيران الله والمراد التفخيم والتعظيم أو المراد إلى مكان لا يملك الحكم عليه هناك غير الله ، فإن في الأرض ملوكا مجازية . . . ثم إنه كما عظم شأنه بلفظ الرفع إليه عبر لذلك عن معنى التخليص بلفظ التطهير فقال { ومطهرك من الذين كفروا } أي من خبث جوارهم وسوء عشرتهم . { وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة } وليس هذا فوقية المكان بالاتفاق ، فالمراد : الفوقية بالحجة والدليل وإما الفوقية بالقهر والاستيلاء وفيه إخبار عن ذل اليهود ومسكنتهم إلى يوم القيامة ولعمري إنه كذلك . . على أنا نقول : المراد بمتبعي المسيح هم الذين كانوا يؤمنون بأنه عبد الله ورسوله ثم آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعده فصدقوه في قوله { . . ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد . . . }{[993]} أو دون الذين كذبوه وكذبوا عليه من اليهود والنصارى . 1ه .
{ ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون } هذا من الكلام الذي صرف من الخبر عن الغائب إلى المخاطبة ، فقد كان الكلام الذي تقدم يخبر عن متبعي عيسى وعن الكافرين به ثم وجه الخطاب إلى كل من الفريقين بأنهم راجعون إلى الله المولى الحق ، ومحاسبون بين يديه ومجزيون بما عملوا إن خيرا فخير وإن شرا فشر وذهب بعض علماء القرآن وأئمة البيان إلا أن { ثم } للتراخي الرتبي والترقي من كلام إلى آخر لا على التراخي في الزمان فحينئذ لا يلزم أن يكون رجوعهم إلى الله تعالى متأخرا عن الجعل في الزمان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.