معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولٗاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (79)

قوله تعالى : { ما أصابك من حسنة } ، خير ونعمة .

قوله تعالى : { فمن الله وما أصابك من سيئة } ، بلية أو أمر تكرهه .

قوله تعالى : { فمن نفسك } ، أي : بذنوبك ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد غيره ، نظيره قوله تعالى : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } [ الشورى :30 ] وتعلق أهل القدر بظاهر هذه الآية ، فقالوا : نفى الله تعالى السيئة عن نفسه ونسبها إلى العبد فقال : { وما أصابك من سيئة فمن نفسك } ، ولا متعلق لهم فيه ، لأنه ليس المراد من الآية حسنات الكسب ، ولا سيئاته من الطاعات والمعاصي ، بل المراد منهم ما يصيبهم من النعم والمحن ، وذلك ليس من فعلهم ، بدليل أنه نسبها إلى غيرهم ولم ينسبها إليهم ، فقال :{ ما أصابك } ولا يقال في الطاعة والمعصية ( أصابني ) ، إنما يقال : " أصبتها " ، ويقال في المحن : " أصابني " ، بدليل أنه لم يذكر عليه ثواباً ولا عقاباً ، فهو كقوله تعالى : { فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه } [ الأعراف :131 ] ، فلما ذكر حسنات الكسب وسيئاته نسبها إليه ، ووعد عليها الثواب ، والعقاب ، فقال{ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها } [ الأنعام :16 ] . وقيل : معنى الآية : ما أصابك من حسنة من النصر ، والظفر يوم بدر فمن الله ، أي : من فضل الله ، وما أصابك من سيئة من القتل ، والهزيمة ، يوم أحد فمن نفسك ، أي : يعني : فبذنوب أصحابك ، وهو مخالفتهم لك ، فإن قيل : كيف وجه الجمع بين قوله { قل كل من عند الله } وبين قوله { فمن نفسك } قيل : قوله { قل كل من عند الله } أي : الخصب ، والجدب ، والنصر ، والهزيمة ، كلها من عند الله . وقوله : { فمن نفسك } أي : وما أصابك من سيئة من الله فبذنب نفسك ، عقوبةً لك ، كما قال الله تعالى : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } [ الشورى :30 ] يدل عليه ما روى مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه قرأ { وما أصابك من سيئة فمن نفسك } وأنا كتبتها عليك . وقال بعضهم : هذه الآية متصلة بما قبلها ، والقول فيه مضمر تقديره : فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً ، يقولون : { ما أصابك من حسنة فمن الله ، وما أصابك من سيئة فمن نفسك }{ قل كل من عند الله } قوله تعالى : { وأرسلناك } ، يا محمد .

قوله تعالى : { للناس رسولاً وكفى بالله شهيداً } على إرسالك ، وصدقك ، وقيل : كفى بالله شهيداً على أن الحسنة والسيئة كلها من الله تعالى .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولٗاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (79)

71

وفي الحالتين يكون وجود الحدث وتحققه من عند الله . . وهذا ما تقرره الآية الأولى . .

أما الآية الثانية :

( ما أصابك من حسنة فمن الله ، وما أصابك من سيئة فمن نفسك . . )

فإنها تقرر حقيقة أخرى . ليست داخلة ولا متداخلة مع مجال الحقيقة الأولى . . إنها في واد آخر . . والنظرة فيها من زاوية أخرى :

إن الله - سبحانه - قد سن منهجا ، وشرع طريقا ، ودل على الخير ، وحذر من الشر . . فحين يتبع الإنسان هذا المنهج ، ويسير في هذا الطريق ، ويحاول الخير ، ويحذر الشر . . فإن الله يعينه على الهدى كما قال : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) . . ويظفر الإنسان بالحسنة . . ولا يهم أن تكون من الظواهر التي يحسبها الناس من الخارج كسبا . . إنما هي الحسنة فعلا في ميزان الله تعالى . . وتكون من عند الله . لأن الله هو الذيسن المنهج وشرع الطريق ودل على الخير وحذر من الشر . . وحين لا يتبع الإنسان منهج الله الذي سنه ، ولا يسلك طريقه الذي شرعه ، ولا يحاول الخير الذي دله عليه ، ولا يحذر الشر الذي حذره منه . . حينئذ تصيبه السيئة . السيئة الحقيقية . سواء في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معا . . ويكون هذا من عند نفسه . لأنه هو الذي لم يتبع منهج الله وطريقه . .

وهذا معنى غير المعنى الأول ، ومجال غير المجال الاول . . كما هو واضح فيما نحسب . .

ولا يغير هذا من الحقيقة الأولى شيئا . وهي أن تحقق الحسنة ، وتحقق السيئة ووقوعهما لا يتم إلا بقدرة الله وقدره . لأنه المنشى ء لكل ما ينشأ . المحدث لكل ما يحدث . الخالق لكل ما يكون . . أيا كانت ملابسة إرادة الناس وعملهم في هذا الذي يحدث ، وهذا الذي يكون .

ثم يبين لهم حدود وظيفة الرسول [ ص ] وعمله وموقف الناس منه ، وموقفه من الناس ، ويرد الأمر كله إلى الله في النهاية :

( وأرسلناك للناس رسولا . وكفى بالله شهيدا . من يطع الرسول فقد أطاع الله . ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظًا ) . .

إن وظيفة الرسول هي أداء الرسالة . لا إحداث الخير ولا إحداث السوء . فهذا من أمر الله - كما سلف - والله شهيد على أنه أرسل النبي [ ص ] لأداء هذه الوظيفة ( وكفى بالله شهيدًا ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولٗاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (79)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ مّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيّئَةٍ فَمِن نّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنّاسِ رَسُولاً وَكَفَىَ بِاللّهِ شَهِيداً } . .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } : ما يصيبك يا محمد من رخاء ونعمة وعافية وسلامة ، فمن فضل الله عليك يتفضل به عليك إحسانا منه إليك . وأما قوله : { وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } يعني : وما أصابك من شدّة ومشقة وأذى ومكروه ، فمن نفسك ، يعني : بذنب استوجبتها به اكتسبته نفسك . كما :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } أما من نفسك ، فيقول : من ذنبك .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } عقوبة يا ابن آدم بذنبك . قال : وذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «لا يُصِيبُ رَجُلاً خَدْشُ عُودٍ وَلا عَثْرَةُ قَدَمٍ وَلا اخْتِلاجُ عِرْقٍ إلاّ بِذَنْبٍ ، وَما يَعْفُوا اللّهُ أكْثَرُ » .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } يقول : الحسنة : ما فتح الله عليه يوم بدر وما أصابه من الغنيمة والفتح ، والسيئة : ما أصابه يوم أُحد أن شجّ في وجهه وكسرت رباعيته .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } يقول : بذنبك . ثم قال : { كُلّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ } النعم والمصيبات .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر ، قالا : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } قال : هذه في الحسنات والسيئات .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ }قال : عقوبة بذنبك .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } بذنبك ، كما قال لأهل أُحد : { أوَ لَمّا أصَابَتْكُمْ مُصِيَبةٌ قَدْ أصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أنّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِكُمْ } بذنوبكم .

حدثني يونس ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : { ماأصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } قال : بذنبك ، وأنا قدرتها عليك .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } وأنا الذي قدرتها عليك .

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا محمد بن بشر ، قال : حدثنيه إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح ، بمثله .

قال أبو جعفر : فإن قال قائل : وما وجه دخول «من » في قوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } و{ مِنْ سَيّئَةٍ } ؟ قيل : اختلف في ذلك أهل العربية ، فقال بعض نحويي البصرة : أدخلت «من » ، لأن «من » تحسن مع النفي ، مثل : ما جاءني من أحد . قال : ودخول الخبر بالفاء لازما بمنزلة «مَنْ » . وقال بعض نحويي الكوفة : أدخلت «مِنْ » مع «ما » ، كما تدخل على «إن » في الجزاء لأنهما حرفا جزاء ، وكذلك تدخل مع «مَن » إذا كانت جزاء ، فتقول العرب : مَنْ يزرك مِنْ أحد فتكرمه ، كما تقول : إنْ يزرك مِنْ أحد فتكرمه . قال : وأدخلوها مع «ما » و«مَنْ » ، ليعلم بدخولها معهما أنهما جزاء . قالوا : وإذا دخلت معهما لم تحذف ، لأنها إذا حذفت صار الفعل رافعا شيئين ، وذلك أن «ما » في قوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } رفع بقوله : { أصَابَكَ } فلو حذفت «مِنْ » رفع قوله : { أصَابَكَ } السيئة ، لأن معناه : إن تصبك سيئة ، فلم يجز حذف «من » لذلك ، لأن الفعل الذي هو على فعَل أو يَفعل لا يرفع شيئين ، وجاز ذلك مع «مَنْ » ، لأنها تشتبه بالصفات ، وهي في موضع اسم ، فأما «إن » ، فإن «من » تدخل معها وتخرج ، ولا تخرج مع «أيّ » لأنها تعرب فيبين فيها الإعراب ، ودخلت مع «ما » لأن الإعراب لا يظهر فيها .

القول في تأويل قوله تعالى : { وأرْسَلْناكَ للنّاسِ رَسُولاً وكَفَى باللّهِ شَهيدا } .

يعني بقوله جل ثناؤه : { وأرْسَلْناكَ للنّاسِ رَسُولاً } : إنما جعلناك يا محمد رسولاً بيننا وبين الخلق تبلغهم ما أرسلناك به من رسالة ، وليس عليك غير البلاغ وأداء الرسالة إلى من أرسلت ، فإن قبلوا ما أرسلت به فلأنفسهم ، وإن ردوا فعليها . { وكَفَى بالله } عليك وعليهم { شَهِيدا } يقول : حسبك الله تعالى ذكره شاهدا عليك في بلاغك ما أمرتك ببلاغه من رسالته ووحيه ، وعلى من أرسلت إليه في قبولهم منك ما أرسلت به إليهم ، فإنه لا يخفى عليه أمرك وأمرهم ، وهو مجازيك ببلاغك ما وعدك ، ومجازيهم ما عملوا من خير وشر جزاء المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولٗاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (79)

قالت فرقة : { ما } شرطية ، ودخلت { من } بعدها لأن الشرط ليس بواجب فأشبه النفي الذي تدخله { من } ، وقالت فرقة { ما } بمعنى الذي ، و { من } لبيان الجنس ، لأن المصيب للإنسان أشياء كثيرة : حسنة وسيئة ، ورخاء وشدة ، وغير ذلك ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وغيره داخل في المعنى ، وقيل : الخطاب للمرء على الجملة ، ومعنى هذه الآية عند ابن عباس وقتادة والحسن والربيع وابن زيد وأبي صالح وغيرهم ، القطع واستئناف الإخبار من الله تعالى ، بأن الحسنة منه وبفضله ، والسيئة من الإنسان بإذنابه ، وهي من الله بالخلق والاختراع ، وفي مصحف ابن مسعود ، «فمن نفسك » «وأنا قضيتها عليك »{[4156]} وقرأ بها ابن عباس ، وحكى أبو عمرو أنها في مصحف ابن مسعود «وأنا كتبتها » وروي أن أبياً وابن مسعود قرآ «وأنا قدرتها عليك » ويعضد هذا التأويل أحاديث عن النبي عليه السلام معناها : أن ما يصيب ابن آدم من المصائب ، فإنما هي عقوبة ذنوبه ، ومن ذلك أن أبا بكر الصديق لما نزلت { من يعمل سوءاً يجز به }{[4157]} جزع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، «ألست تمرض ؟ ألست تسقم ؟ ألست تغتم ؟ »{[4158]} وقال أيضاً عليه السلام : «ما يصيب الرجل خدشة عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر »{[4159]} ففي هذا بيان أو تلك كلها مجازاة على ما يقع من الإنسان ، وقالت طائفة : معنى الآية كمعنى التي قبلها في قوله : { وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله } [ النساء : 78 ] على تقدير حذف يقولون ، فتقديره : فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً ، يقولون : ما أصابك من حسنة ، ويجيء القطع على هذا القول من قوله : { وأرسلنا } وقالت طائفة : بل القطع في الآية من أولها ، والآية مضمنة الإخبار أن الحسنة من الله وبفضله ، وتقدير ما بعده { وما أصابك من سيئة فمن نفسك } ، على جهة الإنكار والتقرير{[4160]} ، فعلى هذه المقالة ألف الاستفهام محذوفة من الكلام{[4161]} ، وحكى هذا القول المهدوي ، و { رسولاً } نصب على الحال ، وهي حال تتضمن معنى التأكيد في قوله تعالى ، { وأرسلناك للناس رسولاً } ثم تلاه بقوله : { وكفى بالله شهيداً } توعد للكفرة ، وتهديد تقتضيه قوة الكلام ، لأن المعنى شهيداً على من كذبه .


[4156]:- قال القرطبي رحمه الله تعليقا على ذلك: "هذه قراءة على التفسير، وقد أثبتها بعض أهل الزيغ من القرآن، والحديث بذلك عن ابن مسعود وأبي منقطع، لأن مجاهدا لم ير عبد الله ولا أبيا".
[4157]:- من قوله تعالى: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، من يعمل سوءا يجز به، ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا} في الآية (123) من سورة (النساء).
[4158]:- أخرجه ابن جرير عن عائشة، وأخرجه أحمد وهناد وعبد بن حميد والحكيم والترمذي وغيرهم عن أبي بكر (الدر المنثور).
[4159]:- أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة: [وما أصابك من سيئة فمن نفسك] قال: "عقوبة بذنبك يا ابن آدم". قال: "وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (لا يصيب رجلا خدش عود، ولا عثرة قدم، ولا اختلاج عرق إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر). (الدر المنثور).
[4160]:- هكذا في الأصول، ولعلها: "والتقريع"، أو يكون المراد: الإنكار عليهم مع تقريرهم بالخبر.
[4161]:- حذف ألف الاستفهام من الكلام كثير، ومنه: [وتلك نعمة تمنها عليّ]، أي: أو تلك نعمة؟ وقوله تعالى: {فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي}، أي: أهذا ربي؟ وقول أبي خراش الهذلي: رموني وقالوا يا خويلد لم ترع فقلت وأنكرت الوجوه هم هم؟ أي: أهم هم؟