السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولٗاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (79)

{ ما أصابك } أي : أيها الإنسان { من حسنة } أي : نعمة دنيوية أو أخروية { فمن الله } أتتك تفضلاً منه والإيمان أحسن المحسنات ، قال الإمام : إنهم اتفقوا على أنّ قوله : { ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله } ( فصلت ، 33 ) .

المراد به كلمة الشهادة { وما أصابك من سيئة } أي : بلية وأمر تكرهه { فمن نفسك } أتتك حيث ارتكبت ما يستوجبها من الذنوب .

فإن قيل : كيف الجمع بين قوله تعالى : { قل كل من عند الله } وبين قوله { فمن نفسك } ؟ أجيب : بأنّ قوله : { قل كل من عند الله } أي : الخصب والجذب والنصر والهزيمة كلها من عند الله وقوله : { فمن نفسك } أي : ما أصابك من سيئة من الله فبذنب نفسك عقوبة لك كما قال تعالى : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } ( الشورى ، 30 ) ، وقيل : إنّ هذه الآية متصلة بما قبلها ، والقول فيه مضمر تقديره : فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً يقولون : { ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك قل كل من عند الله } { وأرسلناك } يا محمد { للناس } أي : كافة وقوله تعالى : { رسولاً } حال قصد بها التأكيد { وكفى با شهيداً } على إرسالك بنصب المعجزات ، ولما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( من أطاعني فقد أطاع الله ومن أحبني فقد أحب الله ) فقال بعض المنافقين : ما يريد هذا الرجل إلا أن تتخذوه رباً كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم ) نزل .