محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولٗاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (79)

/ ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا79 ) .

( وما أصابك من حسنة ) أي : نعمة ( فمن الله ) أي : فمن نعمته وتفضله ابتداء ( وما أصابك من سيئة ) أي : بلية ( فمن نفسك ) أي من شؤمها بسبب اقترافها المعاصي الموجبة لها . وان كانت من حيث الإيجاد منتسبة إليه تعالى ، نازلة من عنده عقوبة ، كقوله تعالى : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ){[2003]} .

روى ابن عساكر عن البراء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من عثرة ولا اختلاج عرق ولا خدش عود الا بما قدمت أيديكم . وما يغفر الله أكثر " .

وروى الترمذي{[2004]} عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يصيب عبدا نكتة فما فوقها أو دونها ، إلا بذنب . وما يعفو الله أكثر . قال وقرأ : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) " .

/ لطيفة :

الخطاب في ( أصابك ) عام لكل من يقف عليه . لا للنبي صلى الله عليه وسلم كقوله{[2005]} :

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

ويدخل فيه المذكورون دخولا أوليا . وجوز أن يكون الخطاب له صلى الله عليه وسلم ، كما قبله وما بعده ، لكن لا لبيان حاله صلى الله عليه وسلم ، بل لبيان حال الكفرة بطريق التصوير . ولعل ذلك لإظهار كمال السخط والغضب عليهم ، والإشعار بأنهم لفرط جهلهم وبلادتهم بمعزل من استحقاق الخطاب . لاسيما بمثل هذه الحكمة الأنيقة . قرره أبو السعود .

قال بعض المفسرين : وثمرة الآية رد التطير والتشاؤم .

( وأرسلناك للناس رسولا ) بيان لجلالة منصبه صلى الله عليه وسلم ومكانته عند الله عز وجل . بعد بيان بطلان زعمهم الفاسد في حقه عليه الصلاة والسلام . بناء على جهلهم بشأنه الجليل . وتعريف ( الناس ) للاستغراق . أفاده أبو السعود . أي : فمن أين يتصور لك الشؤم وقد أرسلت داعيا العموم إلى الخيرات ؟ فأنت منشأ كل خير ورحمة ( وكفى بالله شهيدا ) أي : على رسالتك وصدقك ، بإظهار المعجزات على يديك . أي : وإذا ثبتت رسالتك ، فاليمن في طاعتك ، والشؤم في مخالفتك .


[2003]:|42/ الشورى/ 30|.
[2004]:أخرجه الترمذي في: 44 –كتاب التفسير، 42 –سورة الشورى، 2 –حدثنا عبد بن حميد. ونصه: عن عبيد الله بن الوازع: حدثني شيخ من بني مرة قال: قدمت الكوفة فأخبرت عن بلال بن أبي بردة. فقلت: ان فيه لمعتبرا. فأتيته وهو محبوس في داره التي كان قد بنى. قال واذا كل شيء منه قد تغير، من العذاب والضرب. واذا هو في قشاش (لقاطة) فقلت: الحمد لله، يا بلال، لقد رأيتك وأنت تمر بنا، تمسك بأنفك من غير غيار. وأنت في حالك هذا اليوم. فقال: ممن أنت؟ فقلت: من بني مرة بن عباد. فقال: ألا أحدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به؟ قلت: هات. قال: حدثني أبي، أبو بردة عن أبيه، أبي موسى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال...
[2005]:قائله المتنبي. من قصيدة له مطلعها: لكل امرئ من دهره ما تعودا وعادات سيف الدولة الطعن في العدا ومعنى البيت ما قاله شارحه عبد الرحمان البرقوقي: يقول: ان الكريم يقدر الاكرام حق قدره. فاذا أنت أكرمت الكريم صار كأنه مملوك لك. أما اللئيم، فانك اذا أكرمته، زاد عتوا وجرأة عليك.