الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولٗاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (79)

{ مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } أي من خير ونعمة { فَمِنَ اللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ } أي بلية وأمر تكرهه { فَمِن نَّفْسِكَ } أي ، من عندك وأنا الذي قدرتهما عليك ، الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره ، نظيره .

قوله

{ وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [ الشورى : 30 ] .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من خدش بعود ولا اختلاج عرق ولا عثرة قدم إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر " .

وروى الهروي عن سفيان بن سعيد عمن سمع الضحاك بن مزاحم يقول : ماحفظ الرجل القرآن ثم نسيه إلاّ بذنب ، ثم قرأ

{ وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } [ الشورى : 30 ] قال : فنسيان القرآن أعظم المصائب .

وقال بعضهم : هذه الآية متصلة بما قبله ، وتقديره : فما لهؤلاء القوم لم يكونوا يفقهون حديثاً حتى يقولوا : ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيّئة فمن نفسك ؟ وتعلق أهل القدر بهذه الآية وقالوا : نفى الله السيئة عن نفسه بقوله { وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } ونسبها إلى العبد ، فيقال لهم : إن ما حكى الله تعالى لنبيه من قول المنافقين ، إنهم قالوا إذا أصابتهم حسنة ، هذه من عند الله ، فإن تصبهم سيئة يقولوا : هذه من عندك ، لم يرد به حسنات الكسب ، ولا سيئاته ، لأن الذي منك فعل غيرك بك لا فعلك ، ولذلك نسب إلى غيرك .

كما قال

{ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ } [ آل عمران : 120 ]

{ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ } [ الآعراف : 131 ] وكل هذه سبب من الأسباب لامن الكسب ألا ترى إنه نسبها إلى غيرك ، ولم يذكر بذلك ثواباً ولا عقاباً ، فلما ذكر حسنات العمل والكسب وسيآتهما نسبهما إليك وذكر فيها الثواب والعقاب . كقوله

{ مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا } [ الأنعام : 160 ] وكان ما حكى الله عن المنافقين من قولهم في الحسنات والسيئات لم يكن حسنات الكسب ولا سيئاته ، ثم عطف عليه قوله { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } إلى نفسك فلم يكن بقوله { فَمِن نَّفْسِكَ } مثبتاً لما قد نفاه ، ولا نافياً لما قد أثبته ، لأن ذلك لايجوز على الحكيم جل جلاله ، لكن من السبب الذي استحق هذه المصيبة ، وكان ذلك من كسبه ، ومنه قوله

{ وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [ الشورى : 30 ] فجعل هذه المصيبة جزاءً للفعل فإذا أوقع الجزاء لم يوقعه إلاّ على ما نسبه إلى العباد ، كقوله

{ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ السجدة : 17 ]

{ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ التوبة : 82 ] وقوله { وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } ليس فيه دليل على إنه لايريد السيئة ولا يفعلها ولكن ما كان جزاءً ، فنسبته إلى العبد على [ طريق ] الجزاء .

{ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ } يامحمد { رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً } على إنك رسول صادق .

وقيل فيك { وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً } على أن الحسنة والسيئة كلها من الله