فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولٗاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (79)

قوله : { ما أصابك مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله } هذا الخطاب إما لكل من يصلح له من الناس ، أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم تعريضاً لأمته ، أي : ما أصابك من خصب ، ورخاء ، وصحة ، وسلامة ، فمن الله بفضله ، ورحمته ، وما أصابك من جهد ، وبلاء وشدّة ، فمن نفسك بذنب أتيته ، فعوقبت عليه . وقيل : إن هذا من كلام الذين لا يفقهون حديثاً ، أي : فيقولون ما أصابك من حسنة ، فمن الله . وقيل : إن ألف الاستفهام مضمرة ، أي : أفمن نفسك ، ومثله قوله تعالى : { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ } [ الشعراء : 22 ] والمعنى ، أو تلك نعمة ، ومثله قوله : { فَلَمَّا رَأَى القمر بَازِغاً قَالَ هذا رَبّى } [ الأنعام : 77 ] أي : أهذا ربي ، ومنه قول أبي خراش الهذلي :

رموني وقالوا يا خويلد لم ترع *** فقلت وأنكرت الوجوه هم هم

أي : أهم هم ؟ وهذا خلاف الظاهر ، وقد ورد في الكتاب العزيز ما يفيد مفاد هذه الآية ، كقوله تعالى : { وَمَا أصابكم من مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ } [ الشورى : 30 ] ، وقوله : { أَوَ لَمَّا أصابتكم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أنى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } [ آل عمران : 165 ] . وقد يظن أن قوله : { وَمَا أصابك مِن سَيّئَةٍ فَمِن نفْسِكَ } مناف لقوله : { قُلْ كُلٌّ منْ عِندِ الله } ولقوله : { وَمَا أصابكم يَوْمَ التقى الجمعان فَبِإِذْنِ الله } [ آل عمران : 166 ] ، وقوله : { وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً } [ الأنبياء : 35 ] وقوله : { وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مّن دُونِهِ مِن وَالٍ } [ الرعد : 11 ] وليس الأمر كذلك ، فالجمع ممكن ، كما هو مقرّر في مواطنه . قوله : { وأرسلناك لِلنَّاسِ رَسُولاً } فيه البيان لعموم رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الجميع ، كما يفيده التأكيد بالمصدر ، والعموم في الناس ، ومثله قوله : { وَمَا أرسلناك إِلاَّ كَافَّةً للنَّاسِ } [ سبأ : 28 ] ، وقوله : { قُلْ يا أيها الناس إِنّى رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } [ الأعراف : 158 ] { وكفى بالله شَهِيداً } [ الفتح : 28 ] على ذلك .

/خ81