وقوله تعالى : { ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } . وروي في حرف ابن مسعود رضي الله عنه ( أنه ){[6011]} قال : ( وأنا قدرتها عليك ) . يحتمل أن يكون قوله تعالى : { ما أصابك من حسنة فمن الله } يرجع ما ذكرت من السعة والعافية ونحوهما{[6012]} { وما أصابك من سيئة } من البلاء والشدة{ فمن نفسك } بحق الجناية على آلائه( يرجع ) {[6013]} إلى ما ذكرت من قوله تعالى : { وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم } ( الشورى : 30 ) .
ويحتمل أن تكون الآية الأولى في أمر الدنيا والأخرى في أمر الدين إذا اختلفت الإضافة في هذا ، واتفقت ف الأولى :
إذ الأولى : على ما عليه أمر المحنة من قوله تعالى : { ونبلوكم بالشر والخير فتنة }( الأنبياء : 35 ) وقوله تعالى : { وبلوناهم بالحسنات والسيئات }( الأعراف : 168 ) . وقوله تعالى : { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا } ( الملك : 2 ) ؛ جعل الله تعالى مختلف أحوال العباد( لا يمتنع ) {[6014]} لهم في ذلك . وكذلك قوله تعالى : { وإن يمسسك الله يضر }الآية ( الأنعام : 17 ) وقوله تعالى : { الله يبسط الرزق لمن يشاء }( الرعد : 26والعنكبوت : 62 ) .
والثانية {[6015]} : في حق الأفعال ، فيضاف إلى الله ما صلح منها شكرا وحمدا بما أنعم الله عليه ؛ وذلك قوله تعالى : { فلولا فضل الله عليكم ورحمته }( البقرة : 64 ) وقوله تعالى : { صراط الذين أنعمت عليهم } ( الفاتحة : 6 ) وقوله تعالى : { ولكن الله يمن على من يشاء } الآية ( إبراهيم : 11 ) وقوله تعالى : { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور } ( البقرة : 257 ) وقوله تعالى : ؟ { ولكن الله حبب إليكم الإيمان } الآية ( الحجرات : 7 ) وغير ذلك ، فيضاف إليه بما منه{[6016]} في ذلك من الفضل والنعمة شكرا . ( وما في زلة ){[6017]} وضلالة لا تجوز الإضافة إليه لما يشبه {[6018]}الاعتذار ، ولا عذر لأحد في ذلك ؛ ( فيقال إنه ){[6019]} رب السموات والأرض ، ولا يقال : هو رب الخنازير والأقذار ونحو ذلك لما لما يقبح في السمع ، وإن كان من حيث الخلق والتقدير واحدا . فملثه أمر الأفعال ، والله الموفق .
ونفي الإضافة عنه لا يدل على نفي أن تكون خلقته لما بينا من الأشباه الإضافة إليه ، كالتخصيص /104-أ/ ، فيقال : يا خالق القردة والخنازير ، ويا إله الأقذار والخبائث ، ويا رب الشرور والمصائب ، وإن كان كل ذلك داخلا في أسماء الجملة ، والحق{[6020]} منه تقدريها وخلقها ، وكذلك الفواحش والكبائر ، والله أعلم .
والثاني{[6021]} : الخيرات والأعمال الزاكية قد تضاف إليه لا من وجه التخليف عند الجميع ، بل عندنا من جهة الإفضال بالتوفيق والإنشاء . وعند المعتزلة من جهة الأمر والترغيب . فعلى ذلك نفس الإضافة في ما لم يضف إليه لهذا . وأيدت هذا قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( وأنا قدرتها عليك ){[6022]} .
قال قائل : ذلك لا يقع على الأفعال لقوله : { ما أصابك } ولو كان عليها كان يقول : ما أصبت . ثم كان له جوابان :
أحدهما : أن الإجابة اسم مشترك : ما يصيبه هو يصيبه ذلك ، فسواء لو أضيف إليه ، أو أضيف هو إليه ، والله أعلم .
والثاني : أن ذلك يخرج ( مخرج ) {[6023]} الجزاء أيضا إذا كان على ما يقول ، فيكون على ، ما يصيبه من جزاء حسنة أو سيئة . وإذا لم يجعلا الله في حسنة فضلا ، لو يحتمل الإضافة إليه ما قد بينا من إضافات أعمال الخير إليه ودفع الشر لما ليس في فعله من الله إفضال عليه ، به إنعام ، وكان فيفعل الخير ذلك لا بالأمر والنهي ، إذ هما يستويان في كل ، والله أعلم .
ثم أوضح ذلك خبر عبد الله( بن مسعود ){[6024]} ، فطعنه قوم لمخالفة المصحف المعروف . قلنا : ليس بذي خلاف ، إنما هو بيان المطلق . وقد يقبل خبر الآحاد في مثله ، والله أعلم . وقيل : خبر عبد الله( بن مسعود ) {[6025]}من خبر الآحاد ، ولعله ليس قبل مصحفه تروي عنه العامة ، لا يحتمل التبديل . وأما خبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا{[6026]} يجوز اختراع القراءة مرفوعا{[6027]} ، وخبر الفرد فيه يقبل في ما لا خلاف فيه ، وإن كان فيه تأويل الظاهر ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وأرسلناك للناس رسولا }قيل : في حرف حفصة : ( { وأرسلناك }إلى الناس{ رسولا وكفى بالله شهيدا } )قيل : { وكفى بالله شهيدا }أي بأنك رسول الله . وقيل : { وكفى بالله شهيدا } وقيل : لا شاهد أفضل من الله بأنك رسوله .
وفي قوله تعالى : { وكفى بالله شهيدا } وجوه :
أحدها : إن جحدوا تبليغك في الدنيا ، وقالوا{[6028]} : لم تعلم رسالتك .
والثاني : أن يكون بالآيات التي جعلها الله تعالى رسالتك تحقق الله لك بالرسالة شهيدا لك أو مبينا أو حجة .
والثالث : أن يكون جعل علم الأنبياء والرسل عليهم السلام وتبليغهم الخبر إليهم شهادته : { وكفى بالله شهيدا } على ما أضاف بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم إليه ، ونصر أوليائه إليه . قال الله تعالى : { أولم يكن لهم آية أن يعلمه علموا بني إسرائيل }( الشعراء : 197 ) .
ويحتمل{ شهيدا } مبينا ؛ فمعناه : فيبين لهم بالمعاينة ما كان بينه بالدلالة والآيات محكما{[6029]} فاصلا بين المحق والمبطل ، فيخرج الوجهان جميعا ، وخرج الإعراض عن المحاجة مما يظهر من العناد والمكابرة وتفويض الأمر إلى الله وإخبار عن الفراغ مما كان عليه فيهم من حق البلاغ ، ولا قوة إلا بالله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.