تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولٗاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (79)

الآية 79

وقوله تعالى : { ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } . وروي في حرف ابن مسعود رضي الله عنه ( أنه ){[6011]} قال : ( وأنا قدرتها عليك ) . يحتمل أن يكون قوله تعالى : { ما أصابك من حسنة فمن الله } يرجع ما ذكرت من السعة والعافية ونحوهما{[6012]} { وما أصابك من سيئة } من البلاء والشدة{ فمن نفسك } بحق الجناية على آلائه( يرجع ) {[6013]} إلى ما ذكرت من قوله تعالى : { وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم } ( الشورى : 30 ) .

ويحتمل أن تكون الآية الأولى في أمر الدنيا والأخرى في أمر الدين إذا اختلفت الإضافة في هذا ، واتفقت ف الأولى :

إذ الأولى : على ما عليه أمر المحنة من قوله تعالى : { ونبلوكم بالشر والخير فتنة }( الأنبياء : 35 ) وقوله تعالى : { وبلوناهم بالحسنات والسيئات }( الأعراف : 168 ) . وقوله تعالى : { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا } ( الملك : 2 ) ؛ جعل الله تعالى مختلف أحوال العباد( لا يمتنع ) {[6014]} لهم في ذلك . وكذلك قوله تعالى : { وإن يمسسك الله يضر }الآية ( الأنعام : 17 ) وقوله تعالى : { الله يبسط الرزق لمن يشاء }( الرعد : 26والعنكبوت : 62 ) .

والثانية {[6015]} : في حق الأفعال ، فيضاف إلى الله ما صلح منها شكرا وحمدا بما أنعم الله عليه ؛ وذلك قوله تعالى : { فلولا فضل الله عليكم ورحمته }( البقرة : 64 ) وقوله تعالى : { صراط الذين أنعمت عليهم } ( الفاتحة : 6 ) وقوله تعالى : { ولكن الله يمن على من يشاء } الآية ( إبراهيم : 11 ) وقوله تعالى : { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور } ( البقرة : 257 ) وقوله تعالى : ؟ { ولكن الله حبب إليكم الإيمان } الآية ( الحجرات : 7 ) وغير ذلك ، فيضاف إليه بما منه{[6016]} في ذلك من الفضل والنعمة شكرا . ( وما في زلة ){[6017]} وضلالة لا تجوز الإضافة إليه لما يشبه {[6018]}الاعتذار ، ولا عذر لأحد في ذلك ؛ ( فيقال إنه ){[6019]} رب السموات والأرض ، ولا يقال : هو رب الخنازير والأقذار ونحو ذلك لما لما يقبح في السمع ، وإن كان من حيث الخلق والتقدير واحدا . فملثه أمر الأفعال ، والله الموفق .

ونفي الإضافة عنه لا يدل على نفي أن تكون خلقته لما بينا من الأشباه الإضافة إليه ، كالتخصيص /104-أ/ ، فيقال : يا خالق القردة والخنازير ، ويا إله الأقذار والخبائث ، ويا رب الشرور والمصائب ، وإن كان كل ذلك داخلا في أسماء الجملة ، والحق{[6020]} منه تقدريها وخلقها ، وكذلك الفواحش والكبائر ، والله أعلم .

والثاني{[6021]} : الخيرات والأعمال الزاكية قد تضاف إليه لا من وجه التخليف عند الجميع ، بل عندنا من جهة الإفضال بالتوفيق والإنشاء . وعند المعتزلة من جهة الأمر والترغيب . فعلى ذلك نفس الإضافة في ما لم يضف إليه لهذا . وأيدت هذا قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( وأنا قدرتها عليك ){[6022]} .

قال قائل : ذلك لا يقع على الأفعال لقوله : { ما أصابك } ولو كان عليها كان يقول : ما أصبت . ثم كان له جوابان :

أحدهما : أن الإجابة اسم مشترك : ما يصيبه هو يصيبه ذلك ، فسواء لو أضيف إليه ، أو أضيف هو إليه ، والله أعلم .

والثاني : أن ذلك يخرج ( مخرج ) {[6023]} الجزاء أيضا إذا كان على ما يقول ، فيكون على ، ما يصيبه من جزاء حسنة أو سيئة . وإذا لم يجعلا الله في حسنة فضلا ، لو يحتمل الإضافة إليه ما قد بينا من إضافات أعمال الخير إليه ودفع الشر لما ليس في فعله من الله إفضال عليه ، به إنعام ، وكان فيفعل الخير ذلك لا بالأمر والنهي ، إذ هما يستويان في كل ، والله أعلم .

ثم أوضح ذلك خبر عبد الله( بن مسعود ){[6024]} ، فطعنه قوم لمخالفة المصحف المعروف . قلنا : ليس بذي خلاف ، إنما هو بيان المطلق . وقد يقبل خبر الآحاد في مثله ، والله أعلم . وقيل : خبر عبد الله( بن مسعود ) {[6025]}من خبر الآحاد ، ولعله ليس قبل مصحفه تروي عنه العامة ، لا يحتمل التبديل . وأما خبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا{[6026]} يجوز اختراع القراءة مرفوعا{[6027]} ، وخبر الفرد فيه يقبل في ما لا خلاف فيه ، وإن كان فيه تأويل الظاهر ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وأرسلناك للناس رسولا }قيل : في حرف حفصة : ( { وأرسلناك }إلى الناس{ رسولا وكفى بالله شهيدا } )قيل : { وكفى بالله شهيدا }أي بأنك رسول الله . وقيل : { وكفى بالله شهيدا } وقيل : لا شاهد أفضل من الله بأنك رسوله .

وفي قوله تعالى : { وكفى بالله شهيدا } وجوه :

أحدها : إن جحدوا تبليغك في الدنيا ، وقالوا{[6028]} : لم تعلم رسالتك .

والثاني : أن يكون بالآيات التي جعلها الله تعالى رسالتك تحقق الله لك بالرسالة شهيدا لك أو مبينا أو حجة .

والثالث : أن يكون جعل علم الأنبياء والرسل عليهم السلام وتبليغهم الخبر إليهم شهادته : { وكفى بالله شهيدا } على ما أضاف بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم إليه ، ونصر أوليائه إليه . قال الله تعالى : { أولم يكن لهم آية أن يعلمه علموا بني إسرائيل }( الشعراء : 197 ) .

ويحتمل{ شهيدا } مبينا ؛ فمعناه : فيبين لهم بالمعاينة ما كان بينه بالدلالة والآيات محكما{[6029]} فاصلا بين المحق والمبطل ، فيخرج الوجهان جميعا ، وخرج الإعراض عن المحاجة مما يظهر من العناد والمكابرة وتفويض الأمر إلى الله وإخبار عن الفراغ مما كان عليه فيهم من حق البلاغ ، ولا قوة إلا بالله .


[6011]:ساقطة من الأصل وم..
[6012]:في الأصل وم: ونحوها.
[6013]:ساقطة من الأصل وم.
[6014]:في الأصل وم: ولا يمتنع.
[6015]:في الأصل وم: والثاني.
[6016]:في م:لمنة.
[6017]:في الأصل: والثاني في زلزلة. في م: والثاني في زلة.
[6018]:في الأصل وم: شبه.
[6019]:في الأصل وم: ويقبح في الإضافة.
[6020]:من م. في الأصل: ومحق.
[6021]:في الأصل وم: والثاني، المقصود بذلك القول الثاني قوله تعالى:{ما أصابك من حسنة فمن الله}.
[6022]:قرأها أيضا ابن عباس وأبي كعب وأبو صالح. انظر تفسير الطبري (8/559)والبحر المحيط(3/719).
[6023]:ساقطة من الأصل وم.
[6024]:ساقطة من الأصل وم.
[6025]:ساقطة من الأصل وم.
[6026]:في الأصل وم:لا.
[6027]:في الأصل وم: مرفوع
[6028]:.في الأصل وم: ويقولوا.
[6029]:في الأصل وم:وحكما.