وقولُه تعالى : { مَا أصابك مِنْ حَسَنَةٍ } الخ ، بيانٌ للجواب المُجْملِ المأمورِ به ، وإجراؤُه على لسان النبيِّ عليه الصلاة والسلام ثم سَوْقُ البيانِ من جهته عز وجل بطريق تلوبنِ الخطابِ وتوجيهِه إلى كل واحدٍ من الناس ، والالتفاتُ لمزيد الاعتناءِ به والاهتمامُ بردِّ مقالتِهم الباطلةِ والإشعارِ بأن مضمونَه مبنيٌّ على حكمة دقيقةٍ حتى بأن يتولى بيانَها علامُ الغيوبِ ، وتوجيهُ الخطابِ إلى كل واحدٍ منهم دون كلِّهم كما في قوله تعالى : { وَمَا أصابكم من مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [ الشورى ، الآية 30 ] للمبالغة في التحقيق بقطع احتمالِ سببيّة معصيةِ بعضِهم لعقوبة الآخرين أي ما أصابك من نعمة من النعم { فَمِنَ الله } أي فهي منه تعالى بالذات تفضُلاً وإحساناً من غير استيجابٍ لها مِنْ قِبَلك ، كيف لا وأن كلَّ ما يفعله المرءُ من الطاعات التي يُفرض كونُها ذريعةً إلى إصابة نعمةٍ ما فهي بحيث لا تكاد تكافئ نعمةَ حياتِه المقارنةِ لأدائها ، ولا نعمةَ إقدارِه تعالى إياه على أدائها فضلاً عن استيجابها لنعمة أخرى ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : «ما أحدٌ يدخُل الجنة إلا برحمة الله تعالى » قيل : ولا أنت يا رسولَ الله ؟ قال : «ولا أنا » . { وَمَا أصابك مِن سَيّئَةٍ } أي بلية من البلايا { فَمِن نفْسِكَ } أي فهي منها بسبب اقترافِها المعاصيَ الموجبةَ لها ، وإن كانت من حيث الإيجادُ منسوبةً إليه تعالى نازلةً من عنده عقوبةً كقوله تعالى : { وَمَا أصابكم من مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ } [ الشورى ، الآية 30 ] وعن عائشةَ رضي الله عنها : «ما من مسلم يُصيبه وصَبٌ ولا نصَبٌ حتى الشوكةُ يُشاكُها وحتى انقطاعُ شِسْعِ نعلِه إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثرُ » ، وقيل : الخطابُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما قبله وما بعده ، لكن لا لبيان حالِه عليه الصلاة والسلام بل لبيان حالِ الكفرةِ بطريق التصويرِ ، ولعل ذلك لإظهار كمالِ السخطِ والغضبِ عليهم والإشعارِ بأنهم -لفرط جهلِهم وبلادتهم- بمعزل عن استحقاق الخطابِ لاسيما بمثل هذه الحكمةِ الأنيقة { وأرسلناك لِلنَّاسِ رَسُولاً } بيانٌ لجلالة منصبِه عليه الصلاة والسلام ومكانتِه عند الله عز وجل بعد بيانِ بُطلانِ زعمِهم الفاسدِ في حقه عليه الصلاة والسلام بناءً على جهلهم بشأنه الجليلِ ، وتعريفُ الناسِ للاستغراق ، والجارُّ إما متعلقٌ برسولاً قُدّم عليه للاختصاص الناظرِ إلى قيد العمومِ أي مرسَلاً لكل الناس لا لبعضهم فقط كما في قوله تعالى : { وَمَا أرسلناك إِلاَّ كَافَّةً للنَّاسِ } [ سبأ ، الآية 28 ] وإما بالفعل ، فرسولاً حالٌ مؤكدةٌ وقد جُوِّز أن يكون مصدراً كما في قوله : [ الطويل ]
لقد كذَب الواشون ما فُهْتُ عندهم *** بسرٍّ ولا أرسلتُهم برسولِ{[148]}
أي بإرسال بمعنى رسالة { وكفى بالله شَهِيداً } أي على رسالتك ، بنصب المعجزاتِ التي من جملتها هذا النصُّ الناطقُ والوحيُ الصادِقُ ، والالتفاتُ لتربية المهابةِ وتقويةِ الشهادة ، والجملةُ اعتراضٌ تذييليٌّ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.