غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولٗاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (79)

71

قوله عز من قائل : { ما أصابك من حسنة فمن الله } قال أبو علي الجبائي : السيئة تارة تقع على البلية والمحنة وتارة تقع على الذنب والمعصية . ثم إنه تعالى أضاف السيئة إلى نفسه على الآية الأولى بقوله : { قل كل من عند الله } وأضافها في هذه الآية إلى العبد بقوله : { وما أصابك } أي يا إنسان خطاباً عاماً { من سيئة فمن نفسك } فلا بد من التوفيق وإزالة التناقض ، وما ذاك إلاّ بأن يجعل هناك بمعنى البلية وههنا بمعنى المعصية . قال : وإنما فصل بين الحسنة والسيئة في هذه الآية فأضاف الحسنة التي هي الطاعة إلى نفسه دون السيئة مع أن كليهما من فعل العبد عندنا ، لأنّ الحسنة إنما تصل إلى العبد بتسهيل لله وألطافه فصحت إضافتها إليه ، وأما السيئة فلا يصح إضافتها إلى الله تعالى لا بأنه فعلها ولا بأنه أرادها ولا بأنه أمر بها ولا بأنه رغب فيها . وقال في الكشاف : { وما أصابك من حسنة } أي من نعمة وإحسان { فمن الله } تفضلاً منه وإحساناً وامتناناً وامتحاناً { وما أصابك من سيئة } أي من بلية ومصيبة { فمن عندك } لأنك السبب فيها بما اكتسبت يداك كما روي عن عائشة : " ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها وحتى انقطاع شسع نعله إلاّ بذنب وما يعفو الله أكثر منه " . وقالت الأشاعرة : كل من الحسنة والسيئة بأي معنى فرض فإنها من الله تعالى لوجوب انتهاء جميع الحوادث إليه .

لكنه قد يظن بعض الظاهريين أن إضافة السيّئة إلى الله تعالى خروج عن قانون الأدب فبين في الآية أن كل ما يصيب الإنسان من سيّئة حتى الكفر الذي هو أقبح القبائح فإن ذلك بتخليق الله تعالى . والوجه فيه أن يقدر الكلام استفهاماً على سبيل الإنكار ليفيد أن شيئاً من السيّئات ليست مضافة إلى الإنسان بل كلها بقضائه ومشيئته ، ويؤيده ما يروى أنه قرئ { فمن نفسك } بصريح الاستفهام . ومما يدل دلالة ظاهرة على أن المراد من هذه الآيات إسناد جميع الأمور إلى الله تعالى قوله بعد ذلك : { وأرسلناك للناس رسولاً } أي ليس لك إلاّ الرسالة والتبليغ وقد فعلت ذلك وما قصرت { وكفى بالله شهيداً } على جدّك وعدم تقصيرك في أداء الرسالة وتبليغ الوحي ، فأما تحصيل الهداية فليس إليك بل إلى الله . قال علماء المعاني : قوله { رسولاً } حال من الكاف أي حال كونك ذا رسالة و { للناس } صفة { رسولاً } متعلق ب { أرسلناك } وإلاّ لقيل إلى الناس . فأصل النظم وأرسلناك رسولاً للناس فلا بد للتقديم من خاصية هو التخصيص أعنى ثبوت الحكم للمقدم ونفيه عما يقابله حقيقة أو عرفاً لا عما عداه مطلقاً . وبعد تقديم هذه المقدمة فاللام في قوله : { للناس } إما أن يكون للعهد الخارجي أو للجنس أو للاستغراق . والأول باطل لأن المعهود الخارجي حصة معينة من الأفراد فيلزم اختصاص إرساله ببعض الإنس لوقوع بعض الناس في مقابلة كلهم عرفاً فيكون مناقضاً لما في الآيات الأخر كقوله :{ يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً }[ الأعراف :158 ] ولقوله : " بعثت إلى الخلق كافة " والثاني وهو حمل اللام على تعريف الجنس أيضاً باطل لأنه يلزم اختصاص إرساله بالإنس دون الجن ، لأنّ ثبوت الحكم لحقيقة الإنس بوساطة التقديم ينفي الحكم عما يقابلها عرفاً وهو حقيقة الجن ، أو ينفي الحكم عما عداها من الحقائق فيشمل حقيقة الجن ضرورة . وعلى التقديرين يلزم الخلف لأنه صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الثقلين لقوله تعالى :{ وإذا صرفنا إليك نفراً من الجن }[ الأحقاف :29 ] الآية . فتعين حمل اللام على الاستغراق ليثبت الحكم لكل فرد من أفراد الإنسان وتحصيل موجبة كلية وينفى نقيض هذا الحكم وهو ما كان يزعمه الضالة من سالبة جزئية هي أنه ليس مبعوثاً إلى بعض الناس كالعجم وأنه رسول العرب خاصة ، وعلى هذا يكون الجن مسكوتاً عنهم بالنسبة إلى هذه الآية . فلدلالة دليل آخر على كونه مبعوثاً إلى الثقلين لا تكون منافية لدلالة هذه الآية ، لأن التقديم قد استوفى حظه من الخاصية من غير تعرض للجن .

/خ81