قوله تعالى : { وحيل بينهم وبين ما يشتهون } أي : الإيمان والتوبة والرجوع إلى الدنيا . وقيل : نعيم الدنيا وزهرتها ، { كما فعل بأشياعهم } أي : بنظرائهم ومن كان على مثل حالهم من الكفار ، { من قبل } أي : لم يقبل منهم الإيمان والتوبة في وقت اليأس ، { إنهم كانوا في شك } من البعث ونزول العذاب بهم ، { مريب } موقع لهم الريبة والتهمة .
( وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) . . من الإيمان في غير موعده ، والإفلات من العذاب الذي يشهدونه ، والنجاة من الخطر الذي يواجهونه . ( كما فعل بأشياعهم من قبل ) . . ممن أخذهم الله ، فطلبوا النجاة بعد نفاذ الأمر ، وبعد أن لم يعد منه مفر .
( إنهم كانوا في شك مريب ) . . فها هو ذا اليقين بعد الشك المريب !
وهكذا تختم السورة في هذا الإيقاع السريع العنيف الشديد . وتختم بمشهد من مشاهد القيامة ؛ يثبت القضية التي عليها التركيز والتوكيد في السورة . كما مضى في نهاية كل شوط فيها وفي ثناياها . وقد بدأت السورة بهذه القضية وختمت بها هذا الختام العنيف .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مّن قَبْلُ إِنّهُمْ كَانُواْ فِي شَكّ مّرِيبِ } .
يقول تعالى ذكره : وحيل بين هؤلاء المشركين حين فزعوا ، فلا فوت ، وأخذوا من مكان قريب ، فقالوا آمنا به وَبَينَ ما يَشْتَهُونَ حينئذ من الإيمان بما كانوا به في الدنيا قبل ذلك يكفرون ولا سبيل لهم إليه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني إسماعيل بن حفص الأبلي ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن ، في قوله : وَحيلَ بَيْنَهُم وَبَينَ ما يَشْتَهُونَ قال : حيل بينهم وبين الإيمان بالله .
حدثنا ابن بِشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الصمد ، قال : سمعت الحسن ، وسئل عن هذه الاَية وَحِيلَ بَيْنَهُم وَبَينَ ما يَشْتَهُونَ قال : حيل بينهم وبين الإيمان .
حدثني ابن أبي زياد ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا أبو الأشهب ، عن الحسن وَحِيلَ بَيْنَهُم وَبَينَ ما يَشْتَهُونَ قال : حيل بينهم وبين الإيمان .
حدثنا أحمد بن عبد الصمد الأنصاري ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَحِيلَ بَيْنَهُم وَبَينَ ما يَشْتَهُونَ قال : من الرجوع إلى الدنيا ليتوبوا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَحِيلَ بَيْنَهُم وَبَينَ ما يَشْتَهُونَ كان القوم يشتهون طاعة الله أن يكونوا عملوا بها في الدنيا حين عاينوا ما عاينوا .
حدثنا الحسن بن واضح ، قال : حدثنا الحسن بن حبيب ، قال : حدثنا أبو الأشهب ، عن الحسن ، في قوله : وَحِيلَ بَيْنَهُم وَبَينَ ما يَشْتَهُونَ قال : حيل بينهم وبين الإيمان .
وقال آخرون : معنى ذلك : وحيل بينهم وبين ما يشتهون من مال وولد وزهرة الدنيا . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى قال : ثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : وَحِيلَ بَيْنَهُم وَبَينَ ما يَشْتَهُونَ قال : من مال أو ولد أو زهرة .
حدثني يونس ، قال : قال أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَحِيلَ بَيْنَهُم وَبَينَ ما يَشْتَهُونَ قال : في الدنيا التي كانوا فيها والحياة .
وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك ، لأن القوم إنما تَمَنّوا حين عاينوا من عذاب الله ما عاينوا ، ما أخبر الله عنهم أنهم تَمَنّوه ، وقالوا آمنا به ، فقال الله : وأنى لهم تَناوُش ذلك من مكان بعيد ، وقد كفروا من قبل ذلك في الدنيا . فإذا كان ذلك كذلك ، فلأن يكون قوله : وَحِيلَ بَيْنَهُم وَبَينَ ما يَشْتَهُونَ خبرا عن أنه لا سبيل لهم إلى ما تمنوه أولى من أن يكون خبرا عن غيره .
وقوله : كمَا فُعِلَ بأشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ يقول فعلنا بهؤلاء المشركين ، فحلنا بينهم وبين ما يشتهون من الإيمان بالله عند نزول سَخَط الله بهم ، ومعاينتهم بأسه كما فعلنا بأشياعهم على كفرهم بالله من قبلهم من كفار الأمم ، فلم نقبل منهم إيمانهم في ذلك الوقت ، كما لم نقبل في مثل ذلك الوقت من ضُرَبائهم . والأشياع : جمع شِيَع ، وشِيَع : جمع شيعة ، فأشياع جمع الجمع . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح كمَا فُعِلَ بأشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ قال الكفار من قبلهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة كمَا فُعِلَ بأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ أي في الدنيا كانوا إذا عاينوا العذاب لم يُقبل منهم إيمان .
وقوله : إنّهُمْ كانُوا فِي شَكَ مُرِيبٍ يقول تعالى ذكره : وحيل بين هؤلاء المشركين حين عاينوا بأس الله ، وبين الإيمان : إنهم كانوا قبل في الدنيا في شكّ من نزول العذاب الذي نزل بهم وعاينوه ، وقد أخبرهم نبيهم أنهم إن لم ينيبوا مما هم عليه مقيمون من الكفر بالله ، وعبادة الأوثان أن الله مُهْلِكهم ، ومُحِلّ بهم عقوبته في عاجل الدنيا ، وآجل الاَخرة قبل نزوله بهم مريب يقول : موجب لصاحبه الذي هو به ما يَرِيبه من مكروه ، من قولهم : قد أراب الرجل : إذا أتى ريبة وركب فاحشة كما قال الراجز :
يا قَوْمُ مالي وأبا ذُؤَيْبِ ؟ *** كُنْتُ إذا أتَوْتُهُ مِنْ غَيْبِ
يَشُمّ عِطْفِي وَيَبَزّ ثَوْبِيِ *** كأنّمَا أرَبْتُهُ بِرَيْبِ
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.