قوله تعالى : { فاستجاب لهم ربهم أني } . أي بأني .
قوله تعالى : { لا أضيع } . لا أحبط
قوله تعالى : { عمل عامل منكم } . أيها المؤمنون .
قوله تعالى : { من ذكر أو أنثى } . قال مجاهد : قالت أم سلمة يا رسول الله إني أسمع الله يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء فأنزل الله تعالى هذه الآية .
قوله تعالى : { بعضكم من بعض } . قال الكلبي : في الدين والنصرة والموالاة وقيل : كلكم من آدم وحواء ، وقال الضحاك : رجالكم شكل نسائكم ونساؤكم شكل رجالكم في الطاعة ، كما قال والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض .
قوله تعالى : { فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي } . أي في طاعتي وديني ، وهم المهاجرون الذين أخرجهم المشركون من مكة .
قوله تعالى : { وقاتلوا وقتلوا } . قرأ ابن عامر وابن كثير " قتلوا " بالتشديد ، وقال الحسن : يعني أنهم قطعوا في المعركة ، والآخرون بالتخفيف ، وقرأ أكثر القراء " وقاتلوا وقتلوا " يريد أنهم قاتلوا العدو ثم أنهم قتلوا ، وقرأ حمزة والكسائي " قتلوا وقاتلوا " وله وجهان : أحدهما معناه : وقاتل من بقي منهم ، ومعنى قوله " وقتلوا " أي قتل بعضهم ، تقول العرب : قتلنا بني فلان وإنما قتلوا بعضهم ، والوجه الآخر وقتلوا وقد قاتلوا .
وقاتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله } . نصب على القطع قاله الكسائي ، وقال المبرد : مصدر ، أي : لأثيبنهم ثواباً ( والله عنده حسن الثواب ) .
{ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ }
أي : أجاب الله دعاءهم ، دعاء العبادة ، ودعاء الطلب ، وقال : إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى ، فالجميع سيلقون ثواب أعمالهم كاملا موفرا ، { بعضكم من بعض } أي : كلكم على حد سواء في الثواب والعقاب ، { فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا } فجمعوا بين الإيمان والهجرة ، ومفارقة المحبوبات من الأوطان والأموال ، طلبا لمرضاة ربهم ، وجاهدوا في سبيل الله .
{ لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله } الذي يعطي عبده الثواب الجزيل على العمل القليل .
{ والله عنده حسن الثواب } مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فمن أراد ذلك ، فليطلبه من الله بطاعته والتقرب إليه ، بما يقدر عليه العبد .
دلّت الفاء على سرعة الإجابة بحصول المطلوب ، ودلّت على أنّ مناجاة العبد ربّه بقلبه ضرب من ضروب الدعاء قابل للإجابة .
و ( استجاب ) بمعنى أجاب عند جمهور أيمّة اللغة ، فالسين والتاء للتأكيد ، مثل : استوقد واستخلص . وعن الفرّاء ، وعليّ بن عيسى الربعي : أنّ استجاب أخصّ من أجاب لأنّ استجاب يقال لمن قَبِل ما دُعِي إليه ، وأجاب أعمّ ، فيقال لمن أجاب بالقبول وبالردّ . وقال الراغب : الاستجابة هي التحرّي للجواب والتهيُّؤ له ، لكن عبّر به عن الإجابة لقلّة انفكاكها منها . ويقال : استجاب له واستجابه ، فعدّي في الآية باللام ، كما قالوا : حَمِدَ له وشكر له ، ويعدّي بنفسه أيضاً مثلهما . قال كعب بن سعد الغنوي ، يرثي قريباً له :
وداع دعا يا من يجيب إلى الندا *** فلم يستجبه عند ذاك مجيب
وتعبيرهم في دعائهم بوصف { ربنا } دون اسم الجلالة لما في وصف الربوبية من الدلالة على الشفقة بالمربوب ، ومحبّة الخير له ، ومن الاعتراف بأنّهم عبيده ولتتأتّى الإضافة المفيدة التشريف والقرب ، ولردّ حسن دعائهم بمثله بقولهم : « ربَّنا ، ربَّنا » .
ومعنى نفي إضاعة عملهم نفي إلغاء الجزاء عنه : جَعله كالضائع غير الحاصل في يد صاحبه .
فنفي إضاعة العمل وعد بالاعتداد بعملهم وحسبانه لهم ، فقد تضمّنت الاستجابة تحقيق عدم إضاعة العمل تطميناً لقلوبهم من وَجل عدم القبول ، وفي هذا دليل على أنّهم أرادوا من قولهم : { وآتنا ما وعدتنا على رسلك } [ آل عمران : 194 ] تحقيق قبول أعمالهم والاستعاذة من الحَبَط .
وقوله : { من ذكر أو أنثى } بيان لعَامِلٍ ووجه الحاجة إلى هذا البيان هنا أنّ الأعمال التي أتوا بها أكبرها الإيمان ، ثم الهجرة ، ثم الجهاد ، ولمّا كان الجهاد أكثر تكرّراً خيف أن يتوهّم أنّ النساء لا حظّ لهنّ في تحقيق الوعد الذي وعد الله على ألسنة رسله ، فدفع هذا بأنّ للنساء حظّهنّ في ذلك فهنّ في الإيمان والهجرة يساوين الرجال ، وهنّ لهنّ حظّهنّ في ثواب الجهاد لأنّهن يقمن على المرضى ويُداوين الكلْمى ، ويسقين الجَيش ، وذلك عمل عظيم به استبقاء نفوس المسلمين ، فهو لا يقصر عن القتال الذي به إتلاف نفوس عدوّ المؤمنين .
وقوله : { بعضكم من بعض } ( من ) فيه اتّصالية أي بعضُ المستجاب لهم مُتّصل ببعض ، وهي كلمة تقولها العرب بمعنى أنّ شأنهم واحد وأمرهم سواء . قال تعالى : { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر } [ التوبة : 67 ] إلخ . . . وقولهم : هو منّي وأنا منه ، وفي عكسه يقولون كما قال النابغة :
فإنّي لستُ مِنْكَ ولستَ مِنِّي
وقد حملها جمهور المفسّرين على معنى أنّ نساءكم ورجالكم يجمعهم أصل واحد ، وعلى هذا فمَوقع هذه الجملة موقع التعليل للتعميم في قوله : { من ذكر أو أنثى } أي لأنّ شأنكم واحد ، وكلّ قائم بما لو لم يقم به لضاعت مصلحة الآخر ، فلا جرم أن كانوا سواء في تحقيق وعد الله إيّاهم ، وإن اختلفت أعمالهم وهذا كقوله تعالى : { للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن } [ النساء : 32 ] .
والأظهر عندي أن ليس هذا تعليلاً لمضمون قوله : { من ذكر أو أنثى } بل هو بيان للتساوي في الأخبار المتعلّقة بضمائر المخاطبين أي أنتم في عنايتي بأعمالكم سواء ، وهو قضاء لحقّ ما لهم من الأعمال الصالحة المتساوين فيها ، ليكون تمهيداً لبساط تمييز المهاجرين بفضل الهجرة الآتي في قوله : { فالذين هاجروا } ، الآيات .
وقوله : { فالذين هاجروا } تفريع عن قوله : { لا أضيع عمل عامل } وهو من ذكر الخاصّ بعد العامّ للاهتمام بذلك الخاصّ ، واشتمل على بيان ما تفاضلوا فيه من العمل ، وهو الهجرة التي فاز بها المهاجرون .
والمهاجَرة : هي ترك الموطن بقصد استيطان غيره ، والمفاعلة فيها للتقوية كأنّه هَجر قومه وهَجَروه لأنّهم لم يحرصوا على بقائه ، وهذا أصل المهاجرة أن تكون لمنافرة ونحوها ، وهي تصدق بهجرة الذين هاجروا إلى بلاد الحبشة وبهجرة الذين هاجروا إلى المدينة .
وعطف قوله : { وأخرجوا من ديارهم } على { هاجروا } لتحقيق معنى المفاعلة في هاجر أي هاجروا مهاجرة لزّهم إليها قومهم ، سواء كان الإخراج بصريح القول أم بالإلجاء ، من جهة سوء المعاملة ، ولقد هاجر المسلمون الهجرة الأولى إلى الحبشة لما لاقوه من سوء معاملة المشركين ، ثم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرته إلى المدينة والتحق به المسلمون كلّهم ، لما لاقوه من أذى المشركين . ولا يوجد ما يدلّ على أنّ المشركين أخرجوا المسلمين ، وكيف واختفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند خروجه إلى المدينة يدلّ على حرص المشركين على صدّه عن الخروج ، ويدلّ لذلك أيضاً قول كعب :
في فتيةٍ من قريشٍ قال قائلهم . . . ببطْن مكّةَ لمَّا أَسلموا زُولوا
أي قال قائل من المسلمين اخرُجوا من مكّة ، وعليه فكلّ ما ورد ممّا فيه أنّهم أخرجوا من ديارهم بغير حقّ فتأويله أنه الإلجاء إلى الخروج ، ومنه قول ورقة ابن نوفل : « يا ليْتني أكون معكَ إذ يُخْرِجُك قومُك » ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم له : " أوَ مُخْرِجيّ هُم ؟ فقال : مَا جاء نَبيء بمثلِ ما جئْتَ به إلاّ عُودي " وقوله : { وأَوذوا في سبيلي } أي أصابهم الأذى وهو مكروه قليل من قول أو فعل . وفهم منه أنّ من أصابهم الضرّ أولى بالثواب وأوفى . وهذه حالة تصدق بالذين أوذوا قبل الهجرة وبعدها .
وقوله : { وقاتلوا وقتلوا } جُمع بينهما للإشارة إلى أنّ للقسمين ثواباً . وقرأ الجمهور : وقاتلوا وقُتلوا . وقَرَأ حَمزَة ، والكسائي ، وخلف : وقُتلوا وقاتلوا عكس قراءة الجمهور ومآل القراءتين واحد ، وهذه حالة تصدق على المهاجرين والأنصار من الذين جاهدوا فاستشهدوا أو بقوا . وقوله : { لأكفرن عنهم سيئاتهم } إلخ مؤكّد بلام القسم . وتكفير السيّئات تقدّم آنفاً .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
فأخبر الله عز وجل بفعلهم وبما أجابهم، وأنجز الله عز وجل لهم موعوده، فذلك قوله سبحانه: {فاستجاب لهم ربهم}، فقال: {أني لا أضيع عمل عامل منكم} في الخير، {من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا} إلى المدينة، {وأخرجوا من ديارهم}، وذلك أن كفار مكة أخرجوا مؤمنيهم من مكة، ثم قال سبحانه: {وأوذوا في سبيلي}، يعني في سبيل دين الإسلام، {وقاتلوا} المشركين، {وقتلوا لأكفرن عنهم}، يعني لأمحون عنهم {سيئاتهم} يعني خطاياهم، {ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار}، يعني بجنات البساتين، ذلك الذي ذكر كان {ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب}، يعني الجنة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني تعالى ذكره: فأجاب هؤلاء الداعين بما وصف الله عنهم أنهم دعوا به ربهم، بأني لا أضيع عمل عامل منكم عمل خيرا ذكرا كان العامل أو أنثى، وذكر أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال الرجال يذكرون ولا تذكر النساء في الهجرة؟ فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك هذه الآية...
وقيل: فاستجاب لهم، بمعنى: فأجابهم... وأما قوله: {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} فإنه يعني: بعضكم أيها المؤمنون الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، مِنْ بعض، في النصرة والمسألة والدين، وحكم جميعكم فيما أنا بكم فاعل على حكم أحدكم في أني لا أضيع عمل ذكر منكم ولا أنثى.
{فالّذِينَ هاجَرُوا وأُخْرِجوا مِنْ دِيارِهِمْ وأُوذُوا فِي سَبِيلي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا ولأُكَفّرَنّ عَنْهُمْ سَيّئاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهَارُ ثَوَابا مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَاللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثّوَابِ}.
يعني بقوله جل ثناؤه: فالذين هاجروا قومهم من أهل الكفر وعشيرتهم في الله، إلى إخوانهم من أهل الإيمان بالله، والتصديق برسوله، وأخرجوا من ديارهم، وهم المهاجرون الذين أخرجهم مشركو قريش من ديارهم بمكة، "وأوذوا في سبيلي"، يعني: وأوذوا في طاعتهم ربهم، وعبادتهم إياه، مخلصين له الدين، وذلك هو سبيل الله التي آذى فيها المشركون من أهل مكة المؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم من أهلها، "وقتلوا"، يعني: وقتلوا في سبيل الله وقاتلوا فيها، "لأكفرن عنهم سيئاتهم"، يعني: لأمحونها عنهم، ولأتفضلن عليهم بعفوي ورحمتي، ولأغفرنها لهم، "ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا"، يعني: جزاء لهم على ما عملوا وأبلوا في الله وفي سبيله "من عند الله": يعني: من قِبَل الله لهم، "والله عنده حسن الثواب"، يعني: أن الله عنده من جزاء أعمالهم جميع صنوفه، وذلك ما لا يبلغه وصف واصف، لأنه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
كيف لا يستجيب لهم وهو الذي لَقَّنَهُم الدعاء، وهو الذي ضمن لهم الإجابة، ووَعْدُه جميل الثواب على الدعاء زائدٌ على ما يدعون لأَجْل الحوائج. {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا}: يعني الديار والمزار، وجميع المخالفين والموافقين من الأغيار. {وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ}: إلى مفارقة معاهدهم من مألوفاتهم. {وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي}: عُيِّروا بالفقر والملام، وفتنوا بفنون المحن والآلام. {وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا}: ذاقوا من اختلاف الأطوار الحلو والمر. {لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ}: يعني لنعطينَّهم فوق آمالهم وأكثر، مما استوجبوه بأعمالهم وأحوالهم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
كأنه قال: فالذين عملوا هذه الأعمال السنية الفائقة، وهي المهاجرة عن أوطانهم فارّين إلى الله بدينهم من دار الفتنة، واضطرّوا إلى الخروج من ديارهم التي ولدوا فيها ونشؤا بما سامهم المشركون من الخسف {وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي} من أجله وبسببه، يريد سبيل الدين {وقاتلوا وَقُتِلُواْ} وغزوا المشركين واستشهدوا. وهذا تعليم من الله كيف يدعي وكيف يبتهل إليه ويتضرّع. وتكرير {رَبِّنَا} من باب الابتهال، وإعلام بما يوجب حسن الإجابة وحسن الإثابة، من احتمال المشاق في دين الله، والصبر على صعوبة تكاليفه، وقطع لأطماع الكسالى المتمنين عليه، وتسجيل على من لا يرى الثواب موصولاً إليه، بالعمل بالجهل والغباوة..
اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم عرفوا الله بالدليل وهو قوله: {إن في خلق السماوات والأرض} إلى قوله: {لآيات لأولى الألباب} ثم حكى عنهم مواظبتهم على الذكر وهو قوله: {الذين يذكرون الله قياما} وعلى التفكر وهو قوله: {ويتفكرون في خلق السماوات والأرض} ثم حكى عنهم أنهم أثنوا على الله تعالى وهو قولهم: {ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك} ثم حكى عنهم أنهم بعد الثناء اشتغلوا بالدعاء وهو من قولهم: {فقنا عذاب النار} إلى قوله: {إنك لا تخلف الميعاد} بين في هذه الآية أنه استجاب دعاءهم فقال: {فاستجاب لهم ربهم} وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: في الآية تنبيه على أن استجابة الدعاء مشروطة بهذه الأمور، فلما كان حصول هذه الشرائط عزيزا، لا جرم كان الشخص الذي يكون مجاب الدعاء عزيزا. المسألة السادسة: جمهور المفسرين فسروا الآية بأن معناها أنه تعالى قبل منهم أنه يجازيهم على أعمالهم وطاعاتهم ويوصل ثواب تلك الأعمال إليهم. فإن قيل: القوم أولا طلبوا غفران الذنوب، وثانيا إعطاء الثواب فقوله: {أني لا أضيع عمل عامل منكم} إجابة لهم في إعطاء الثواب، فأين الإجابة في طلب غفران الذنوب؟ قلنا: إنه لا يلزم من إسقاط العذاب حصول الثواب، لكن يلزم من حصول الثواب سقوط العقاب فصار قوله: {أني لا أضيع عمل عامل منكم} إجابة لدعائهم في المطلوبين. وعندي في الآية وجه آخر: وهو أن المراد من قوله: {أني لا أضيع عمل عامل منكم} أني لا أضيع دعاءكم، وعدم إضاعة الدعاء عبارة عن إجابة الدعاء، فكان المراد منه أنه حصلت إجابة دعائكم في كل ما طلبتموه وسألتموه. وأما قوله تعالى: {من ذكر أو أنثى} فالمعنى: أنه لا تفاوت في الإجابة وفي الثواب بين الذكر والأنثى إذا كانا جميعا في التمسك بالطاعة على السوية، وهذا يدل على أن الفضل في باب الدين بالأعمال، لا بسائر صفات العاملين، لأن كون بعضهم ذكرا أو أنثى، أو من نسب خسيس أو شريف لا تأثير له في هذا الباب، ومثله قوله تعالى: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به}... أما قوله تعالى: {بعضكم من بعض} ففيه وجوه: أحسنها أن يقال: {من} بمعنى الكاف أي بعضكم كبعض، ومثل بعض في الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
يقول تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ} أي: فأجابهم ربهم...
قال سعيد بن منصور: حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن سلمة، رجل من آل أم سلمة، قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله، لا نَسْمَع اللهَ ذَكَر النساء في الهجرة بشيء؟ فأنزل الله [عز وجل] {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} إلى آخر الآية. وقالت الأنصار: هي أول ظعينة قَدمت علينا.
وقد رواه الحاكم في مستدركه من حديث سفيان بن عُيَيْنة، ثم قال: صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
(فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) عطف استجابته لهم بفاء السببية فدل على أن ما ذكر من شأنهم هو الذي أهلهم لقبول دعائهم قال الأستاذ الإمام ما مثاله مع زيادة في مسألة الرجل والمرأة: استجاب دعاءهم لصدقهم في الإيمان والذكر والفكر والتقديس والتنزيه والوصول إلى معرفة الحياة الآخرة وصدق الرسل وإيمانهم بهم وشعورهم بعد ذلك كله بأنهم ضعفاء مقصرون في الشكر محتاجون مغفرته لهم وفضله عليهم وإحسانه بهم بإيتائهم ما وعدهم. ولكن هذه الاستجابة لم تكن بعين ما طلبوا كما طلبوا. ولذلك صورها وبين كيفيتها. وهذا التصوير لحكمة عالية، وهي أن الاستجابة ليست إلا توفية كل عامل جزاء عمله لينبههم بذكر العمل والعامل إلى أن العبرة في النجاة من العذاب والفوز بحسن الثواب إنما هي بإحسان العمل والإخلاص فيه فإن الإنسان قد تغشه نفسه فيظن أنه محسن وهو ليس بمحسن وأنه مخلص وما هو بمخلص وأن حوله وقوته قد فنيا في حول الله وقوته وأنه لا يريد إلا وجهه تعالى في كل حركة وسكون، ويكون في الواقع ونفس الأمر مغرورا مرائيا، وذكر أن الذكر والأنثى متساويان عند الله تعالى في الجزاء متى تساويا في العمل حتى لايغتر الرجل بقوته ورياسته على المرأة فيظن أنه أقرب إلى الله منها ولا تسيء المرأة الظن بنفسها فتتوهم أن جعل الرجل رئيسا عليها يقتضي أن يكون أرفع منزلة عند الله منها. وقد بين تعالى علة هذه المساواة بقوله (بعضكم من بعض- فالرجل مولود من المرأة والمرأة مولودة من الرجل فلا فرق بينهما في البشرية ولا تفاضل بينهما إلا بالأعمال، أي وما تترتب عليه الأعمال ويترتب هو عليها من العلوم والأخلاق.
أقول: وفيه وجه آخر، وهو أن كلا منهما صنو وزوج وشقيق للآخر. وفي معنى ذلك حديث "النساء شقائق الرجال "قالوا: أي مثلهم في الطباع والأخلاق كأنهن مشتقات منهم؛ أو لأنهن معهم من أصل واحد. ووجه ثالث: أنه بمعنى حديث "سلمان منا" وحديث "ليس منا من دعا إلى عصبية" فمعنى "منا ": على طريقتنا وما نحن عليه لا فرق بيننا وبينه. وهذه الآية ترفع قدر النساء المسلمات في أنفسهن عند الرجال المسلمين. ومن علم أن جميع الأمم كانت تهضم حق المرأة قبل الإسلام تعدها كالبهيمة المسخرة لمصلحة الرجل وشهوته وعلم أن بعض الأديان فضلت الرجل على المرأة بمجرد كونه ذكرا وكونها أنثى، وبعض الناس عد المرأة غير أهل للتكاليف الدينية، وزعموا أنها ليست لها روح خالدة، -من علم هذا قدر هذا الإصلاح الإسلامي لعقائد الأمم ومعاملاتها حق قدره، وتبين له أن ما تدعيه الإفرنج من السبق إلى الاعتراف بكرامة المرأة ومساواتها للرجل باطل. بل الإسلام السابق. وإن شرائعهم وتقاليدهم الدينية والمدنية لا تزال تميز الرجل على المرأة. نعم إن لهم أن يحتجوا على المسلمين بالتقصير في تعليم النساء وتربيتهن؛ وجعلهن عارفات بما لهن وما عليهن؛ ونحن نعترف بأننا مقصرون تاركون لهداية ديننا حتى صرنا حجة عليه عند الأجانب وفتنة لهم. وأما ما يفضل به الرجال النساء في الجملة من العلم والعقل وما يقومون به من الأعمال الدنيوية الذي ربما كان سببه ما جرى عليه الناس من أحوال الاجتماع، وكذا جعل حظ الرجل من الإرث مثل حظ الأنثيين لأنه يتحمل نفقتها ويكلف ما لا تكلفه، فلا دخل لشيء من ذلك في التفاضل عند الله تعالى في الثواب والعقاب والكرامة وضدها، بل سوى الله تعالى بين الزوجين حتى في الحقوق الاجتماعية إلا مسألة القيام والرياسة فجعل للرجال عليهن درجة كما تقدم في سورة البقرة.
الأستاذ الإمام: لم يكتف بربط الجزاء بالعمل حتى بيّن أن العمل هو الذي يستحقون به ما طلبوا من تكفير السيئات ودخول الجنة فقال (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم) ذكر الإخراج من الديار بعد الهجرة من باب التفصيل بعد الإجمال فالهجرة إنما كانت وتكون بالإخراج من الديار، وتستتبع ما ذكر في قوله (وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا) من الإيذاء والقتال، وقرئ وقتلوا بتشديد التاء للمبالغة فمن لم يحتمل القتل بل والتقتيل في سبيل الله تعالى ويبذل مهجته لله عز وجل فلا يطمعن بهذه المثوبة المؤكدة في قوله (لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار) ومثل هذه الآيات الكثيرة الواردة في صفات المؤمنين كقوله تعالى (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا) [الحجرات: 15] الخ وقوله (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) [الأنفال: 8] الخ وقوله (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) [المؤمنون: 1] الآيات، وقوله (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) [الفرقان: 63] الآيات، وقوله (إن الإنسان خلق هلوعا) [المعارج: 19] الآيات، وقوله (العصر) [العصر: 1] الخ السورة وغير ذلك.
قال: هكذا يذكر الله تعالى صفات المؤمنين لينبهنا إلى أن نرجع إلى أنفسنا ونمتحنها بهذه الأعمال والصفات فإن رأيناها تحتمل الإيذاء في سبيل الله حتى القتل فلنبشرها بالصدق منها والرضوان منه تعالى وإلا فعلينا أن نسعى لتحصيل هذه المرتبة التي لا ينجى عنده غيرها. وإنما كلف الله المؤمنين الصادقين الموقنين المخلصين هذا التكليف الشاق لأن قيام الحق مرتبط به، وإنما سعادتهم- من حيث هم مؤمنون بقيام الحق وتأييده، والحق في كل زمان ومكان محتاج إلى أهله لينصروه على أهل الباطل الذين يقاومونه. والحق والباطل يتصارعان دائما ولكل منهما حزب ينصره فيجب على أنصار الحق أن لا يفشلوا ولا ينهزموا، بل عليهم أن يثبتوا ويصبروا، حتى تكون كلمته العليا، وكلمة الباطل هي السفلى، (قال) وانظر إلى حال المؤمنين اليوم تجدهم يتعللون بأن هذه الآيات نزلت في أناس مخصوصين كأنهم يترقبون أن يستجيب الله لهم ويعطيهم ما وعد المؤمنين من غير أن يقوموا بعمل مما أمر به المؤمنين ولا أن يتصفوا بوصف مما وصفهم به من حيث هم مؤمنون وما علق عليه وعده بمثوبتهم، بل وإن اتصفوا بضده وهو ما توعد عليه بالعذاب الشديد، وهذا منتهى الغرور.
وأقول: إن هذه الصفات تجتمع وتفترق، فمن المهاجرين من ترك وطنه مختارا ولم يخرج منه إخراجا، بل من الصحابة من هاجر مستخفيا لئلا يمنعه المشركون. ولكن قد يقال إنهم إذا لم يكونوا أمروهم بالهجرة أمرا. وأخرجوهم من ديارهم قسرا. فإنهم قد ضيقوا عليهم المسالك. حتى ألجأوهم إلى ذلك. ومنهم من أوذي ولم يخرجه المشركون ولا مكنوه من الخروج. وراجع بعض الكلام في إيذاء مشركي مكة للمسلمين (في ج 3 تفسير) وفي الحديث أن الهجرة دائمة لا تنقطع حتى تمنع التوبة أي إلى قبيل قيام الساعة.
وأما قوله" وقاتلوا وقتلوا "فقد قرأه حمزة بعكس الترتيب في اللفظ" وقتلوا وقاتلوا "وقالوا فيه إن الواو لا تفيد ترتيبا، ولأن المراد إن الكفار كانوا هم البادئين فلما قتل من المؤمنين أناس قاتلوا الكفار. وشدد ابن كثير وابن عامر تاء" قتلوا "للمبالغة كما جاء في كلام الأستاذ الإمام. وقد كان المشركون يقتلون كل من قدروا على قتله من المسلمين إلا أن يكون له من يمنعه من قريب وولي.
وقد راجعت بعد كتابة ما تقدم تفسير الفخر الرازي فإذا هو يقول: والمراد من قوله الذين هاجروا الذين اختاروا المهاجرة من أوطانهم في خدمة الرسول (ص). والمراد من الذين أخرجوا من ديارهم الذين ألجأهم الكفار إلى الخروج. ولا شك أن رتبة الأولين أفضل لأنهم اختاروا خدمة الرسول صلى الله عليه وسلم وملازمته على الاختيار فكانوا أفضل. وقوله" وأوذوا في سبيلي "أي من أجله وسببه. وقاتلوا وقتلوا لأن المقاتلة تكون قبل القتال...
أما قوله تعالى (ثوابا من عند الله) فمعناه لأكفرن عنهم سيئاتهم وأدخلنهم الجنات أثيبهم بذلك ثوابا من النوع العالي الكريم الذي عند الله لا يقدر عليه غيره.
والثواب اسم من مادة ثاب يثوب ثوبا أي: رجع، يقال تفرق عنه أصحابه ثم ثابوا إليه وفي المجاز ثاب إليه عقله وحلمه إذا كان خرج عن مقتضى العقل والحلم بنحو غضب شديد ثم سكت عنه غضبه. ومنه جعل البيت الحرام مثابة للناس، فإنهم يعودون إليه بعد مفارقته، ولذلك قال الراغب: الثواب ما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله فيسمى الجزاء ثوابا تصورا أنه هو هو، ألا ترى كيف جعل الله تعالى الجزاء نفس الفعل في قوله (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) [الزلزلة: 7] ولم يقل جزاءه والثواب يقال في الخير والشر، لكن الأكثر المتعارف في الخير، وعلى هذا قوله عز وجل (ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب) ا ه المراد.
وأقول: إن لفظ الثواب والمثوبة حيث وقع وما في معناه من ذكر الجزاء بالعبارات التي تدل على أنه عين العمل كل ذلك يؤيد المسألة التي أخذنا على نفسنا إيضاحها وإثباتها وكررنا القول فيها بعبارات وأساليب كثيرة، وهي أن الجزاء أثر طبيعي للعمل أي إن للإعمال تأثيرا في نفس العالم تزكيا فتكون بها منعمة في الآخرة أو تدسيها فتكون معذبة فيها بحسب سنة الله تعالى، فكأن الأعمال نفسها تثوب وتعود، وليس أي الجزاء أمرا وضعيا كجزاء الحكام بحسب قوانينهم وشرائعهم. وقد أشار إلى هذا المعنى بعض المدققين من العلماء لا سيما الصوفية كالغزالي ومحيي الدين بن عربي. وإذا فقه الناس هذا المعنى زال غرورهم ولم يعتمدوا في أمر ما يرجون من نعيم الآخرة ويخشون من عذابها إلا على ما أرشدهم إليه كتاب الله من العمل الصالح دون أشخاص الصالحين وتسمية أنفسهم محاسيب عليهم ودعائهم والاستغاثة بهم...
ثم قال تعالى: (والله عنده حسن الثواب).
قال الأستاذ الإمام كغيره: إن هذا تأكيد لما قبله من كون الثواب من عند الله ليبين أن هذا الجزاء بمحض الفضل والكرم الإلهي، وأنه يقع بإرادته واختياره تعالى؛ وإن كان جزاء على عمل.
وأقول: إن كون الجزاء بفضل الله ورحمته لا ينافي ما قلناه في معنى الجزاء والثواب لأن كل ما يصيب العباد من خير في الدنيا فهو من فضله تعالى ورحمته، وإن كان قد جعل له أسبابا هو أثر طبيعي لها المطر والنبات والصحة وغير ذلك. والله أكرم وأرحم وأعلم وأحكم.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
أي: أجاب الله دعاءهم، دعاء العبادة، ودعاء الطلب، وقال: إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى، فالجميع سيلقون ثواب أعمالهم كاملا موفرا، {بعضكم من بعض} أي: كلكم على حد سواء في الثواب والعقاب، {فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا} فجمعوا بين الإيمان والهجرة، ومفارقة المحبوبات من الأوطان والأموال، طلبا لمرضاة ربهم، وجاهدوا في سبيل الله. {لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله} الذي يعطي عبده الثواب الجزيل على العمل القليل. {والله عنده حسن الثواب} مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فمن أراد ذلك، فليطلبه من الله بطاعته والتقرب إليه، بما يقدر عليه العبد.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم.. طال بالرد عليه والاستجابة له كذلك:
(فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى -بعضكم من بعض- فالذين هاجروا، وأخرجوا من ديارهم، وأوذوا في سبيلي، وقاتلوا وقتلوا، لأكفرن عنهم سيئاتهم، ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار.. ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب.. لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد. متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد. لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، نزلا من عند الله. وما عند الله خير للأبرار)..
وهي استجابة مفصلة، وتعبير مطول، يتناسق مع السمة الفنية للتعبير القرآني؛ وفق مقتضى الحال، ومتطلبات الموقف، من الجانب النفسي والشعوري.
ثم نخلص لمحتويات هذه الاستجابة الإلهية، ودلالتها على طبيعة هذا المنهج الإلهي ومقوماته، ثم على طبيعة منهج التربية الإسلامية وخصائصه..
إن أولي الألباب هؤلاء، تفكروا في خلق السماوات والأرض، وتدبروا اختلاف الليل والنهار، وتلقوا من كتاب الكون المفتوح، واستجابت فطرتهم لإيحاء الحق المستكن فيه، فاتجهوا إلى ربهم بذلك الدعاء الخاشع الواجف الطويل العميق.. ثم تلقوا الاستجابة من ربهم الكريم الرحيم، على دعائهم المخلص الودود.. فماذا كانت الاستجابة؟
لقد كانت قبولا للدعاء، وتوجيها إلى مقومات هذا المنهج الإلهي وتكاليفه في آن:
(استجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم.. من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض)..
إنه ليس مجرد التفكر ومجرد التدبر. وليس مجرد الخشوع والارتجاف. وليس مجرد الاتجاه إلى الله لتكفير السيئات والنجاة من الخزي ومن النار.. إنما هو "العمل". العمل الإيجابي، الذي ينشأ عن هذا التلقي، وعن هذه الاستجابة، وعن هذه الحساسية الممثلة في هذه الارتجافة. العمل الذي يعتبره الإسلام عبادة كعبادة التفكر والتدبر، والذكر والاستغفار، والخوف من الله، والتوجه إليه بالرجاء. بل العمل الذي يعتبره الإسلام الثمرة الواقعية المرجوة لهذه العبادة، والذي يقبل من الجميع: ذكرانا وإناثا بلا تفرقة ناشئة من اختلاف الجنس. فكلهم سواء في الإنسانية -بعضهم من بعض- وكلهم سواء في الميزان..
ثم تفصيل للعمل، تتبين منه تكاليف هذه العقيدة في النفس والمال؛ كما تتبين منه طبيعة المنهج، وطبيعة الأرض التي يقوم عليها، وطبيعة الطريق وما فيه من عوائق وأشواك، وضرورة مغالبة العوائق، وتكسير الأشواك، وتمهيد التربة للنبتة الطيبة، والتمكين لها في الأرض، أيا كانت التضحيات، وأيا كانت العقبات:
(فالذين هاجروا، وأخرجوا من ديارهم، وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا. لأكفرن عنهم سيئاتهم، ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار. ثوابا من عند الله، والله عنده حسن الثواب).
وقد كانت هذه صورة الداعين المخاطبين بهذا القرآن أول مرة. الذين هاجروا من مكة، وأخرجوا من ديارهم، في سبيل العقيدة، وأوذوا في سبيل الله لا في أي غاية سواه، وقاتلوا وقتلوا.. ولكنها صورة أصحاب هذه العقيدة في صميمها.. في كل أرض وفي كل زمان.. صورتها وهي تنشأ في الجاهلية -أية جاهلية- في الأرض المعادية لها -أية أرض- وبين القوم المعادين -أي قوم- فتضيق بها الصدور، وتتأذى بها الأطماع والشهوات، وتتعرض للأذى والمطاردة، وأصحابها -في أول الأمر- قلة مستضعفة.. ثم تنمو النبتة الطيبة -كما لا بد أن تنمو- على الرغم من الأذى، وعلى الرغم من المطاردة، ثم تملك الصمود والمقاومة والدفاع عن نفسها. فيكون القتال، ويكون القتل.. وعلى هذا الجهد الشاق المرير يكون تكفير السيئات، ويكون الجزاء ويكون الثواب.
هذا هو الطريق.. طريق هذا المنهج الرباني، الذي قدر الله أن يكون تحققه في واقع الحياة بالجهد البشري، وعن طريق هذا الجهد، وبالقدر الذي يبذله المؤمنون المجاهدون في سبيل الله. ابتغاء وجه الله.
وهذه هي طبيعة هذا المنهج، ومقوماته، وتكاليفه.. ثم هذه هي طريقة المنهج في التربية، وطريقته في التوجيه، للانتقال من مرحلة التأثر الوجداني بالتفكر والتدبر في خلق الله؛ إلى مرحلة العمل الإيجابي وفق هذا التأثر تحقيقا للمنهج الذي أراده الله.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
دلّت الفاء على سرعة الإجابة بحصول المطلوب، ودلّت على أنّ مناجاة العبد ربّه بقلبه ضرب من ضروب الدعاء قابل للإجابة.
و (استجاب) بمعنى أجاب عند جمهور أيمّة اللغة، فالسين والتاء للتأكيد، مثل: استوقد واستخلص. وعن الفرّاء، وعليّ بن عيسى الربعي: أنّ استجاب أخصّ من أجاب لأنّ استجاب يقال لمن قَبِل ما دُعِي إليه، وأجاب أعمّ، فيقال لمن أجاب بالقبول وبالردّ. وقال الراغب: الاستجابة هي التحرّي للجواب والتهيُّؤ له، لكن عبّر به عن الإجابة لقلّة انفكاكها منها. ويقال: استجاب له واستجابه، فعدّي في الآية باللام، كما قالوا: حَمِدَ له وشكر له، ويعدّي بنفسه أيضاً مثلهما...
وتعبيرهم في دعائهم بوصف {ربنا} دون اسم الجلالة لما في وصف الربوبية من الدلالة على الشفقة بالمربوب، ومحبّة الخير له، ومن الاعتراف بأنّهم عبيده ولتتأتّى الإضافة المفيدة التشريف والقرب، ولردّ حسن دعائهم بمثله بقولهم: « ربَّنا، ربَّنا».
ومعنى نفي إضاعة عملهم نفي إلغاء الجزاء عنه: جَعله كالضائع غير الحاصل في يد صاحبه.
فنفي إضاعة العمل وعد بالاعتداد بعملهم وحسبانه لهم، فقد تضمّنت الاستجابة تحقيق عدم إضاعة العمل تطميناً لقلوبهم من وَجل عدم القبول، وفي هذا دليل على أنّهم أرادوا من قولهم: {وآتنا ما وعدتنا على رسلك} [آل عمران: 194] تحقيق قبول أعمالهم والاستعاذة من الحَبَط.
وقوله: {من ذكر أو أنثى} بيان لعَامِلٍ ووجه الحاجة إلى هذا البيان هنا أنّ الأعمال التي أتوا بها أكبرها الإيمان، ثم الهجرة، ثم الجهاد، ولمّا كان الجهاد أكثر تكرّراً خيف أن يتوهّم أنّ النساء لا حظّ لهنّ في تحقيق الوعد الذي وعد الله على ألسنة رسله، فدفع هذا بأنّ للنساء حظّهنّ في ذلك فهنّ في الإيمان والهجرة يساوين الرجال، وهنّ لهنّ حظّهنّ في ثواب الجهاد لأنّهن يقمن على المرضى ويُداوين الكلْمى، ويسقين الجَيش، وذلك عمل عظيم به استبقاء نفوس المسلمين، فهو لا يقصر عن القتال الذي به إتلاف نفوس عدوّ المؤمنين.
وقوله: {بعضكم من بعض} (من) فيه اتّصالية أي بعضُ المستجاب لهم مُتّصل ببعض، وهي كلمة تقولها العرب بمعنى أنّ شأنهم واحد وأمرهم سواء. قال تعالى: {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر} [التوبة: 67] إلخ...
وقد حملها جمهور المفسّرين على معنى أنّ نساءكم ورجالكم يجمعهم أصل واحد، وعلى هذا فمَوقع هذه الجملة موقع التعليل للتعميم في قوله: {من ذكر أو أنثى} أي لأنّ شأنكم واحد، وكلّ قائم بما لو لم يقم به لضاعت مصلحة الآخر، فلا جرم أن كانوا سواء في تحقيق وعد الله إيّاهم، وإن اختلفت أعمالهم وهذا كقوله تعالى: {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} [النساء: 32].
والأظهر عندي أن ليس هذا تعليلاً لمضمون قوله: {من ذكر أو أنثى} بل هو بيان للتساوي في الأخبار المتعلّقة بضمائر المخاطبين أي أنتم في عنايتي بأعمالكم سواء، وهو قضاء لحقّ ما لهم من الأعمال الصالحة المتساوين فيها، ليكون تمهيداً لبساط تمييز المهاجرين بفضل الهجرة الآتي في قوله: {فالذين هاجروا}، الآيات.
وقوله: {فالذين هاجروا} تفريع عن قوله: {لا أضيع عمل عامل} وهو من ذكر الخاصّ بعد العامّ للاهتمام بذلك الخاصّ، واشتمل على بيان ما تفاضلوا فيه من العمل، وهو الهجرة التي فاز بها المهاجرون.
والمهاجَرة: هي ترك الموطن بقصد استيطان غيره، والمفاعلة فيها للتقوية كأنّه هَجر قومه وهَجَروه لأنّهم لم يحرصوا على بقائه، وهذا أصل المهاجرة أن تكون لمنافرة ونحوها، وهي تصدق بهجرة الذين هاجروا إلى بلاد الحبشة وبهجرة الذين هاجروا إلى المدينة.
وعطف قوله: {وأخرجوا من ديارهم} على {هاجروا} لتحقيق معنى المفاعلة في هاجر أي هاجروا مهاجرة لزّهم إليها قومهم، سواء كان الإخراج بصريح القول أم بالإلجاء، من جهة سوء المعاملة، ولقد هاجر المسلمون الهجرة الأولى إلى الحبشة لما لاقوه من سوء معاملة المشركين، ثم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرته إلى المدينة والتحق به المسلمون كلّهم، لما لاقوه من أذى المشركين. ولا يوجد ما يدلّ على أنّ المشركين أخرجوا المسلمين، وكيف واختفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند خروجه إلى المدينة يدلّ على حرص المشركين على صدّه عن الخروج...
أي قال قائل من المسلمين اخرُجوا من مكّة، وعليه فكلّ ما ورد ممّا فيه أنّهم أخرجوا من ديارهم بغير حقّ فتأويله أنه الإلجاء إلى الخروج، ومنه قول ورقة ابن نوفل: « يا ليْتني أكون معكَ إذ يُخْرِجُك قومُك»، وقول النبي صلى الله عليه وسلم له:"أوَ مُخْرِجيّ هُم؟ فقال: مَا جاء نَبيء بمثلِ ما جئْتَ به إلاّ عُودي" وقوله: {وأَوذوا في سبيلي} أي أصابهم الأذى وهو مكروه قليل من قول أو فعل. وفهم منه أنّ من أصابهم الضرّ أولى بالثواب وأوفى. وهذه حالة تصدق بالذين أوذوا قبل الهجرة وبعدها.
وقوله: {وقاتلوا وقتلوا} جُمع بينهما للإشارة إلى أنّ للقسمين ثواباً. وقرأ الجمهور: وقاتلوا وقُتلوا. وقَرَأ حَمزَة، والكسائي، وخلف: وقُتلوا وقاتلوا عكس قراءة الجمهور ومآل القراءتين واحد، وهذه حالة تصدق على المهاجرين والأنصار من الذين جاهدوا فاستشهدوا أو بقوا. وقوله: {لأكفرن عنهم سيئاتهم} إلخ مؤكّد بلام القسم. وتكفير السيّئات تقدّم آنفاً.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
النّتيجة الطّيبة لموقف أولي الألباب:
في الآيات الخمس الآنفة استعرض القرآن الكريم موجزاً من إِيمان أُولي الألباب والعقول النّيرة، وبرامجهم العملية، وطلباتهم وأدعيتهم، وفي هذه الآية يقول سبحانه: (فاستجاب لهم ربّهم)، والتعبير بلفظة «ربّهم» حكاية عن غاية اللّطف، ومنتهى الرحمة الإِلهية بالنسبة إليهم، ثمّ يضيف قائلا: (إِنّي لا أُضيع عمل عامل منكم) دفعاً للاشتباه والتوهم الذي قد يسبق إِلى الذهن بأنه لا ارتباط بين الفوز والنجاة، وبين أعمال الإِنسان ومواقفه، ففي هذه العبارة إِشارة واضحة إِلى أصل «العمل»، وإِشارة أيضاً إِلى عامله، حتى يتبيّن أن الملاك والمحور الأصلي لقبول الدعاء واستجابته هو الأعمال الصالحة الناشئة من الإِيمان، وأنّ الأدعية التي تستجاب فوراً هي تلك التي يدعمها العمل الصالح.
ثمّ إنّه سبحانه يقول: (من ذكر أو أُنثى، بعضكم من بعض)، وهذا لأجل أن لا يتصور أحد أنّ هذا الوعد الإِلهي يختص بطائفة معينة كالذكور دون الإِناث مثلا، فلا فرق في هذا الأمر بين أن يكون العامل ذكراً أو يكون أُنثى، لأنّ الجميع يعودون في أصل الخلقة إِلى مصدر واحد (بعضكم من بعض) أي تولد بعضكم من بعض، النساء من الرجال، والرجال من النساء، فلا تفاوت في هذه المسألة إِذن بين الذكر أو الأنثى، فلماذا يكون تفاوت في الجزاء والثواب؟
ويمكن أن تكون عبارة (بعضكم من بعض) إشارة إلى أنّكم جميعاً أتباع دين واحد، ورواد منهج واحد وأنصار حقيقة واحدة، فلا معنى لأن يفرق الله سبحانه بين جماعة وأخرى ويميز بين طائفة وطائفة، وجنس وآخر.
ثمّ أنّه سبحانه يستنتج من ذلك إِذ يقول: (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي، وقاتلوا وقتلوا لأُكفّرن عنهم سيئاتهم)، أي أنّ الله سبحانه كتب على نفسه أن يغفر لهؤلاء ذنوبهم، جاعلا من هذه المشاق والمتاعب التي نالتهم كفارة لذنوبهم، ليطهروا من أدرانها تطهيراً.
ثمّ يقول تعالى: (ولأدخلنّهم جنات تجري من تحتها الأنهار) مضافاً إِلى غفران ذنوبهم والتكفير عنهم.
وهذا هو الثواب الإِلهي لهم على ما قاموا به من تضحية وفداء (ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب)... إِنّ لهم أفضل الأجر عند الله وأحسنه، وقوله: (والله عنده حسن الثواب) إشارة إِلى أنّ الأجر الإِلهي والمثوبات الإِلهية ليست قابلة للوصف للناس بشكل كامل في هذه الحياة، بل يكفي أن يعلموا بأنّه أفضل وأعلى من أي ثواب.
هذا ويستفاد جيداً من هذه الآية أن الإِنسان لابدّ أن يتطهّر من أدران الذنوب في ظل العمل الصالح أوّلا، ثمّ يدخل في رحاب القرب الرّباني والنعيم الإِلهي، لأنّه سبحانه قال أوّلا: (لأُكفّرن عنهم سيئاتهم) ثمّ قال: (لأدخلنّهم جنّات).
وبعبارة أخرى: أنّ الجنّة مقام المتطهرين، ولا طريق لمن لم يتطهر إِليها.
القيمة المعنويّة للرّجل والمرأة:
إِن الآية الحاضرة كبقية الآيات القرآنية الأخرى تساوي بين الرجل والمرأة عند الله، في مسألة الوصول إِلى الدرجات المعنوية، ولا تفرق بينهما بسبب اختلافهما في الجنس، ولا تعتبر الفروق العضوية وما يلحقها من الفروق في المسؤوليات الاجتماعية دليلا على اختلافهما في إِمكانية الحصول على درجات التكامل الإِنساني وبلوغهما للمقامات المعنوية الرفيعة، بل تعتبرهما في مستوى واحد من هذه الجهة ولذلك ذكرتهما معاً.
إِن اختلافهما في التكاليف وتوزيع المسؤوليات يشبه إِلى حد كبير الاختلاف الذي تقتضيه مسألة النظام والانضباط حيث يختار شخص كرئيس، وآخر كمعاون ومساعد، فإِنّه ينبغي أن يكون الرئيس أكثر حنكة وأوسع علماً، وأكثر تجربة في مجال عمله، ولكن هذا التفاوت والاختلاف في مراتب المسؤولية وسلم الوظائف لا يكون دليلا مطلقاً على أن شخصية الرئيس وقيمته الوجودية أكثر من شخصية معاونيه ومساعديه، وقيمتهم الوجودية.
إِنّ القرآن الكريم يقول بصراحة: (ومن عمل صالحاً من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن فأُولئك يدخلون الجنّة، يرزقون فيها بغير حساب).
ويقول في آية أخرى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
هذه الآيات وغيرها من الآيات القرآنية الأخرى نزلت في عصر كان المجتمع البشري فيه يشك في إِنسانية جنس المرأة أساساً، بل ويعتقد أنها كائن ملعون، وأنها منبع كل إِثم وانحراف وموت وفساد.
لقد كان الكثير من الشعوب الماضية تذهب في نظرتها السلبية تجاه المرأة إِلى درجة أنها تعتقد أحياناً إِنّ عبادة المرأة وما تقدمه في سبيل الله لا تقبل، وكان الكثير من اليونانيين يعتقدون أنّ المرأة كائن نجس وشرير وأنّها من عمل الشّيطان، وكان الرّوم وبعض اليونانيين يعتقدون أنّ المرأة ليست ذات روح إِنسانية أساساً، وأن الرجل وحده هو الذي يحمل بين جنبيه مثل هذه الروح دون غيره.
والملفت للنظر أن العلماء المسيحيين في إسبانيا كانوا يبحثون حتى إِلى الآونة الأخيرة في أن المرأة هل تملك مثل الرجل روحاً إِنسانية أم لا؟ وأن روحها هل تخلد بعد الموت أم لا؟
وقد توصلوا بعد مداولات طويلة إِلى أن للمرأة روحاً برزخية، وهي نوع متوسط بين الروح الإِنسانية والروح الحيوانية، وأنه ليس هناك روح خالدة بين أرواح النساء إِلاّ روح مريم.
من هنا يتضح مدى ابتعاد بعض المغفلين عن الحقيقة حيث يتهمون الإِسلام أنّه دين الرجال دون النساء.
إِنّ بعض الاختلاف في نوع المسؤوليات الاجتماعية الذي يقتضيه اختلافات في التركيب العضوي والعاطفي لدى الرجل والمرأة لا يضرّ بالمرأة وقيمتها المعنوية أساساً، ولهذا لا يختلف الرجل والمرأة من هذه الجهة، فأبواب السعادة والتكامل الإِنساني مفتوحة في وجهيهما كليهما على السواء كما ذكرنا ذلك عند البحث في قوله تعالى: (بعضكم من بعض).