السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ ثَوَابٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ} (195)

{ فاستجاب لهم ربهم } دعاءهم وهو أخص من أجاب ؛ لأنه يفيد حصول جميع المطلوب لكثرة مبانيه ؛ لأنّ كثرة المباني تدل على كثرة المعاني ويتعدّى بنفسه وباللام { أني } أي : بأني { لا أضيع عمل عامل منكم } وقوله تعالى : { من ذكر أو أنثى } بيان عامل { بعضهم من بعض } أي : يجمع ذكركم وأنثاكم أصل واحد فكل واحد منكم من الآخر أي : الذكور من الإناث والإناث من الذكور وقيل : المراد وصلة الإسلام وهذه الجملة وهي بعضكم من بعض معترضة بين عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى وما فصل به عمل عامل من قوله : { فالذين هاجروا } الخ . . بينت بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد الله تعالى عباده العاملين .

روي أنّ أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت : ( يا رسول الله أسمع الله يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء فنزلت ) وقوله تعالى : { فالذين هاجروا } أي : من مكة إلى المدينة { وأخرجوا من ديارهم } تفصيل لعمل العامل منهم على سبيل التعظيم له والتفخيم كأنه قال : فالذين عملوا هذه الأعمال السنية الفائقة وهي المهاجرة عن أوطانهم فارّين إلى الله تعالى بدينهم من دار الفتنة واضطروا إلى الخروج من ديارهم التي ولدوا فيها ونشؤوا { وأوذوا في سبيلي } أي : ديني { وقاتلوا } الكفار { وقتلوا } في الجهاد ، وقرأ حمزة والكسائي بتقديم قتلوا وتأخير قاتلوا وشدد ابن كثير وابن عامر التاء من قتلوا للتكثير { لأكفرن عنهم سيئاتهم } أي : أسترها بالمغفرة { ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً } أي : أثيبهم بذلك إثابة { من عند الله } أي : تفضلاً منه تعالى فهو مصدر مؤكد لما قبله ؛ لأنّ قوله تعالى : { لأكفّرن عنهم ولأدخلنهم } في معنى لأثيبنهم { والله عنده حسن الثواب } أي : الجزاء .

ولما كان المشركون في رخاء ولين من العيش يتجرون ويتنعمون ، وقال بعض المؤمنين : إن أعداء الله فيما نرى من الخير ونحن في الجهد نزل .