تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ ثَوَابٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ} (195)

195- { فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض . . . }

المفردات :

فاستجاب : بمعنى أجاب .

هاجروا : تركوا الشرك أو تركوا الأوطان والعشائر .

التفسير :

أي فاستجاب لهم ربهم دعاءهم لصدقه في إيمانهم فأجابهم إلى ما طلبوا ووعدهم بتحقيق ما سألوا .

أني لا أضيع عمل عامل منكم . أي لا أزيل ثواب عمل أي عامل منكم بل أكافئه عليه بما يستحقه وأعطيه من ثوابي ورحمتي ما يشرح صدره .

من ذكر أو أنثى . بيان لعامل أو تأكيد لعمومه ، أي لا أضيع عمل أي شخص سواء أكان هذا العامل ذكر أم أنثى .

بعضكم من بعض . جملة معترضة لبيان سبب اشتراك النساء مع الرجال ، في الثواب وجزاء الأعمال الصالحة فالذكر مفتقر في وجوده إلى الأنثى ، والأنثى مفتقرة في وجودها إلى الرجل ، ويجوز أن يكون المعنى : بعضكم من بعض في الطاعة والعمل الصالح ، أي أنتما متماثلان فلا وجه للتفرقة بينكما في الثواب ، فإن المماثلة في العمل ، تستدعي المماثلة في الأجر .

قال ابن كثير : أي جميعكم في ثوابي سواء .

فالذين هاجروا . بان تركوا أوطانهم إلى أماكن أخرى من أجل إعلاء كلمة الله .

واخرجوا من ديارهم . أي ضايقهم المشركون بالأذى حتى خرجوا فرارا من ظلم الظالمين أو اعتداء المعتدين .

وأوذوا في سبيلي . من أجل ديني قال تعالى : { وما نقموا إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد } ( البروج 8 ) .

وقاتلوا وقتلوا . وجاهدوا المشركين واستشهدوا وقد ثبت في الصحيحين أن القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين157 .

لأكفرن عنهم سيئاتهم . لأغفرنها لهم ولأسترنها عليهم .

ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار . أي تجري في خلالها الأنهار ، من أنواع المشارب من لبن وعسل وخمر وماء غير آسن ، وغير ذلك مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .

ثوابا من عد الله والله عنده حسن الثواب . أي لأثيبهم ثوابا عظيما من عندي ، لا يقدر عليه غيري ، والله تعالى عنده خير الجزاء ، وهذه الجملة تأكيد لشرف ذلك الثواب . لبيان اختصاصه بالثواب الحسن ، كأن كل جزاء للأعمال في الدنيا لا يعد حسنا ، بجوار ما أعده سبحانه في الآخرة لعباده المتقين .

والآية كما ترى تعرض نماذج بشرية مخلصة في الدعاء والعمل ، ولقد هاجروا من وطنهم وتحملوا الأذى في سبيل عقيدتهم ، واقبلوا على الجهاد والشهادة ، فاستحقوا مغفرة لذنوبهم ، وثوابا عظيما من خالقهم ورازقهم .

وقد ذكر المؤخرون أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما خرج من مكة مهاجرا ، التفت إليها وقال : " يا مكة لانت أحب بلاد الله إلي ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت " 158 .

/خ195