بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ ثَوَابٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ} (195)

{ فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُمْ } فأخبر الله عن فعلهم ، وذكر ما أجابهم به وأنجز لهم موعده ، وبيّن لهم ثوابه وهو قوله : { فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُمْ } . روي عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال من دعا بهذه الدعوات فإنه يستجاب له ، لأنه قال تعالى : { فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ } يعني ثواب عمل عامل في طاعتي { مّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى } يعني رجلاً أو امرأة . قال : حدثنا الخليل بن أحمد ، قال : حدثنا الديبلي ، قال : حدثنا أبو عبيد الله ، قال : حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار ، عن رجل من ولد أم سلمة يقال له سلمة بن الأكوع ، عن أم سلمة أنها قالت : يا رسول الله إني أسمع الله ذكر الهجرة ، فذكر فيها الرجال ولم يذكر فيها النساء فأنزل الله تعالى : { أَنّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى } . { بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ } قال الكلبي : أي بعضكم أولياء بعض في الدين . وقال الضحاك : يعني يشبه بعضكم بعضاً في الطاعة . ويقال : بعضكم على أثر بعض ، ويقال بعضكم على دين بعض .

{ فالذين هاجروا } من مكة إلى المدينة { وَأُخْرِجُواْ مِن ديارهم } يعني : أن أهل مكة أخرجوا مؤمنيهم من مكة { وَأُوذُواْ في سبيلي } أي عُذّبوا في طاعتي { وَقَاتِلُواْ } مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين { وَقُتّلُواْ } أي قتلهم المشركون . قرأ حمزة والكسائي : وقتلوا وقاتلوا على معنى التقديم والتأخير كقوله تعالى : { إِذْ قَالَ الله يا عيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الذين كفروا وَجَاعِلُ الذين اتبعوك فَوْقَ الذين كفروا إلى يَوْمِ القيامة ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [ آل عمران : 55 ] وقرأ الباقون : وقاتلوا وقتلوا ، إلا ابن كثير وابن عامر قرآ وقتّلوا بالتشديد على معنى التكثير والمبالغة ، فذكر الله فعلهم ، ثم ذكر ثوابهم فقال : { لأكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سيئاتهم } أي لأمحون عنهم ذنوبهم { ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار } أي تجري يعني من تحت قصورها وأشجارها الأنهار { ثَوَاباً مّن عِندِ الله } يعني أن الجنات جزاء لأعمالهم من عند الله . وقال الزجاج : إنما صار نصباً لأنه مصدر مؤكد ، معناه : لأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، ولأثيبنهم ثواباً . وروي عن الفراء أنه قال : إنما صار نصباً على التفسير . { والله عِندَهُ حُسْنُ الثواب } أي حسن الجزاء وهو الجنة . ويقال : حسن المرجع في الآخرة خير من الدنيا .