فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ ثَوَابٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ} (195)

{ فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب{[1274]} } دعا المؤمنون المتفكرون وسألوا الله الفوز بالعزة والنجاة من الخزي ، فأجاب ربهم دعاءهم وحقق سؤلهم ورفع قدرهم بسبب أنه لا يضيع عمل عامل ، - والمراد بالإضاعة ترك الإثابة ؛ قوله { من ذكر أو أنثى } . { من } بيانية ومؤكدة لما تقتضيه النكرة الواقعة في سياق النفي من العموم ؛ قوله { بعضكم من بعض } أي : رجالكم مثل نسائكم في الطاعة ونساؤكم مثل رجالكم فيها ، والجملة معترضة لبيان كون كل منهما من الآخر باعتبار تشعبهما من أصل واحد-{[1275]} ؛ { فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم } فالذين تركوا أرضهم إلى أرض يأمنون فيها على دينهم ، وأخرجهم أعداء الله واضطروهم إلى مفارقة أوطانهم ؛ { وأوذوا في سبيلي } أصابهم الضر والبلاء بسبب إيمانهم بالله وعبادة ربهم { وقاتلوا } وحاربوا من حاد الله ورسوله ، { وقتلوا } وبذلوا أرواحهم ، وقضوا شهداء { لأكفرن عنهم سيئاتهم } ههنا قسم محذوف والتكفير الستر المستتبع -بفضل الله- الصفح وعدم العقوبة ، { ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار } ولأسكننهم قصورا في جنات تجري من تحت بساتينها وحدائقها وأشجارها الأنهار ، { ثوابا من عند الله } أي : ولأثيبنهم مثوبة من عندي{[1276]} ، وأنا أثيب الثواب{[1277]} الجزيل ، { والله عنده حسن الثواب } – في تعليقه حسن الإثابة على احتمال المشاق في دينه ، والصبر على صعوبة تكاليفه ، دليل على أن حكمة الله تعالى اقتضت نوط الثواب والجنة بالعمل ، حتى لا يتكل الناس . . . ولا يهملوا جانب العمل . . ؛ عن الحسن : أخبر الله تعالى أنه استجاب لهم إلا أنه أتبع ذلك رفع الدعاء وما يستجاب به فلابد من تقديمه بين يدي الدعاء ، يعني قوله { . . . والعمل الصالح يرفعه . . }{[1278]}- {[1279]} . ثبت في الصحيحين أن رجلا قال : يا رسول الله ! أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر ، أيكفر الله عني خطاياي ؟ قال " نعم " ثم قال " كيف قلت " ؟ فأعاد عليه ما قال فقال " نعم إلا الدين قاله لي جبريل آنفا " .


[1274]:روى الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أم سلمة أنها قالت: يا رسول الله ألا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء؟ فأنزل الله تعالى {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى} ؛ الآية وأخرجه الترمذي.
[1275]:من فتح التقدير.
[1276]:أي ثوابا يختص به ويقدره وبفضله لا يثيبه غيره ولا يقدر عليه، يقول الرجل عندي ما تريد أي أنا مختص به ويملكه وإن لم يكن بحضرته.
[1277]:من ثاب يثوب إذا رجع فالثواب إذن ما يرجع على العامل من جزاء عمله.
[1278]:من سورة فاطر من الآية 10.
[1279]:مما أورد النيسابوري.